الهند وباكستان.. صراع “متجدد”

كتب طارق السنوطي, في الأهرام:
منذ سنوات بعيدة، وبالتحديد عام ١٩٤٧، عندما استقلت الهند عن بريطانيا وانفصلت عنها باكستان، بدأت سلسلة من الأزمات بين البلدين على كافة الأصعدة، واندلعت العديد من الحروب والاشتباكات الدامية بينهما، بعضها على خلفيات دينية، والأخرى نتيجة الصراع التاريخي للسيطرة على إقليم كشمير الواقع بين البلدين.
حتى توصلت نيودلهي وإسلام آباد لاتفاق بينهما عام ١٩٤٩ لترسيم الحدود، يسمى “خط السيطرة”، وهو الخط الفاصل بين حدود البلدين في منطقة جامو وكشمير المتنازع عليها، والتي تشكل موقعًا إستراتيجيًا فريدًا بين الهند وباكستان والصين وأفغانستان.
وتسيطر الهند على ٤٣٪ من أراضي جامو وكشمير، بينما تسيطر باكستان على ٣٧٪، والصين تسيطر على ٢٠٪ من الناحية الشرقية.
وخلال تلك السنوات الطويلة، لم تهدأ طبول الحرب بين البلدين، بل استمرت، ولكن بأشكال مختلفة، من بينها تبادل اتهامات بدعم الإرهاب وتوفير “ملاذات” آمنة للعديد من الجماعات الإرهابية؛ حيث شكلت التفجيرات الانتحارية التي وقعت في كشمير، سواء في الجانب الهندي أو الباكستاني، نقطة انطلاق لاندلاع حروب عديدة بين البلدين، كان أعنفها التي حدثت عام ٢٠١٩ نتيجة هجوم إرهابي في الجانب الهندي من كشمير، وراح ضحيته ٤٠ من أفراد الأمن الهندي.
وهو ما دفع نيودلهي بإلقاء المسئولية على إسلام آباد، واندلعت حرب شرسة بينهما لم تتوقف إلا بعد تدخل دولي وضغوط عديدة على الطرفين.
وفي نفس العام، اتخذت الحكومة الهندية خطوة أشعلت الموقف من جديد مع باكستان، حيث ألغى البرلمان الهندي الوضع الخاص لكشمير الهندية؛ حيث كانت تتمتع بالحكم الذاتي، وبالتالي انفجر الوضع من جديد بين البلدين، ووقعت اشتباكات، ولكنها لم ترقَ للحرب كما حدث خلال الأيام الماضية بسبب وقوع حادث إرهابي في منطقة باهلغام الواقعة في إقليم كشمير بالجانب الهندي، وراح ضحيته ٢٦ من السياح الأجانب.
وهو ما أشعل فتيل الحرب من جديد بين البلدين، واستمرت الاشتباكات العنيفة والهجوم المتبادل بالطائرات حتى نجحت الوساطة الأمريكية في وقف الحرب وإعلان الاتفاق الشامل وبدء المفاوضات وفتح خطوط الاتصال العسكري واستعمال الخط الساخن بينهما.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: كيف يمكن ضمان استمرار اتفاق وقف الحرب بين البلدين؟ وبالطبع، فإن الإجابة صعبة للغاية، وتتطلب أولًا رصد ما يدور الآن وبدقة بين الطرفين، خاصة الضغوط التي يتعرض لها كل طرف من جانب الشارع السياسي والشعبي، بالإضافة إلى الضغوط الدولية، خاصة من قبل الوسيط – واشنطن – ولكن ما حدث خلال الساعات الماضية من تفعيل “الخط الساخن” بين البلدين وإرسال عدة رسائل من خلاله، والتأكيد على الالتزام بوقف إطلاق النار، بل وتخفيض أعداد الجنود على جانبي الحدود الملتهبة في كشمير، يشير إلى رغبة البلدين في وقف حقيقي للحرب والعودة إلى طاولة المفاوضات، بل والاتفاق على محاور مهمة ونقاط محددة بدقة، في مقدمتها السعي لمحاربة الإرهاب ووقف الاتهامات بدعمه من قبل الجانبين، وضرورة الحفاظ على الاتفاقيات الموقعة بين نيودلهي وإسلام آباد، خاصة اتفاقيات تقاسم المياه، وعلى رأسها اتفاقية “نهر السند”، والتي تم توقيعها عام ١٩٦٠ لتقاسم مياه نهر السند الرئيسي، والذي ينبع من كشمير الهندية ويصب في كشمير الباكستانية، ويعتبر خطًا أحمر يمس الأمن القومي الباكستاني، إلى جانب اتفاقيات أخرى يجب احترامها وتفعيلها من قبل البلدين.
والمؤكد أن تدخلات القوى الكبرى في العالم في ذلك الملف الحيوي والمهم، وخاصة من قبل الولايات المتحدة من ناحية والصين وروسيا من ناحية أخرى، يؤكد سعي تلك الدول للحفاظ على مصالحها في تلك المنطقة الإستراتيجية من العالم وتحقيق الأمن والاستقرار بما يخدم مصالحها أولًا، ثم مصالح أصحاب القضية ثانيًا.