رأي

“الهلفوت” بايدن لن يهاجم ايران

كتب د. شريف سلامة مقالاً في “رأي اليوم” جاء فيه “من الأفلام الشهيرة للفنان المصري عادل إمام فيلم “الهلفوت”، والتي كانت تدور أحداثه حول شخصية “عرفة” الرجل التافه ثقيل اللسان ضعيف البنية، والذي كان كل أمله في الحياة أن يتزوج.

والفتوة “عسران الضبع” والذي جسده الراحل صلاح قابيل، ذلك القاتل الأجير الخارج على القانون، الذي يحيا على سمعته السابقة بأنه دموي لا يفلت من يعاديه أو يحاول أن يقف أمامه.

وذلك “الفتوة” عاش متحصنا بـ”الرعب” الذي صدره لأهل القرية الضعفاء، وهو يعلم أن ضعفهم وخوفهم من المواجهة سيكون قضبانا لسجن أدخلوا أنفسهم فيه.

وتمر الأحداث، إلى أن يذهب “عرفة” إلى بيت “عسران”، ويكتشف أن الفتوة المتستر هو في الحقيقة رجل هزيل ضعيف مريض، يتحامل لكي يبدو قويا، يخاف من أي أحد يطرق باب حجرته، ذلك الباب الذي كان يضع عليه أقفالا حديدية جعلته وكأنه “متراس” يحتمى خلفه.

وأمام صدمة “عرفة” وذهوله من ذلك الفتوة الذي انهار أمامه، وتحوله في نظره من سفاح إلى أشلاء إنسان، قرر مخرج الفيلم أن ينقلنا إلى مشهد لخص الحكمة من العمل، وهو مشهد التصادم بين الفتوة مدعي القوة، والهلفوت الضعيف، والذي بعد أن كان لا يجروء على مجرد التفكير في الاعتراض على ذلك السفاح، بات قويا بالحقيقة التي عرفها، وفي هذا العراك مات “الفتوة” خوفا !!

ورغم أن الكشف على الفتوة أثبت أنه مات بسكتة قلبية، إلا أن “عرفة” صار أمام الناس “الفتوة” الجديد الذي قهر “عسران” وأرداه قتيلا.

والحقيقة، أنني لم أقصد سرد أحداث عمل فني يرجع تاريخه إلى منتصف الثمانينات من القرن الماضي، وأنما القصد هو بيان أن الحدوتة التي عرضها الفيلم قد تحاكي أحد أوجه عالمنا السياسي المعاصر.

فها هي أمريكا، لم نجد لها موقفا قويا إزاء العديد من الأزمات الدولية التي تعرضت لها طوال السنوات السابقة، رغم أنها دائما ما تتشدق بأنها الدولة العظمى، والتي تحيا على سمعة قوتها العسكرية والمخابراتية وهيمنتها على النظام العالمي وقوة تأثيرها على غالبية دول العالم والمنظمات الدولية وتَحكُمِها في المشهد السياسي الدولي بشكل عام، وقدرتها على فعل كل ما تريد وقتما تريد.

ولعلنا نتذكر منذ حوالي عامين وبضعة أشهر، ما قامت به إيران عندما أسقطت طائرة عسكرية تابعة لأمريكا، والتي كانت أشبه بالعاجزة حيالها، إذ لم تتخذ أي موقف يعكس قوتها، رغم أن الجميع توقع أن هناك رد فعل أمريكي قد يصل إلى دمار شامل سوف يحل بإيران، رد فعل يُرجِع إلى أمريكا “العظمى” هيبتها ويدافع عن هيمنتها وسطوتها التي كانت –ومازالت- تتغنى بها أمام العالم.

ولكن، أمريكا “العظمى” لم تفعل شيئا !!!!، ومرت تلك اللطمة دون أي رد فعل سوى التهديد والوعيد بفرض عقوبات إقتصادية على إيران، رغم تأكيد أمريكا أن تلك الطائرة كانت في المجال الجوي الدولي ولم تخترق الأجواء الإيرانية، ورغم تصعيد إيران وتهديدها بتكرار حادثة إسقاط طائرة أمريكية أخرى.

ورغم أن المشهد كان يبدو معتما إلى حد بعيد، إلا أن التعمق في حدوتة “الطائرة” الأمريكية تلك، قد يصل بنا إلى بعض الإحتمالات، التي قد تفسر جزءً من الواقع السياسي المعاصر في منطقة الشرق الأوسط؛

إما أن أمريكا “العظمى” تعيش على سمعتها العسكرية، متحصنة بـ”الخوف” الذي تصدره دائما لدول العالم، وهي في حقيقتها دولة هشة لا تقدر على مواجهة أي طرف يملك ولو قدر قليل من القوة، ولنا في “كوريا الشمالية” و”الصين” و”روسيا” وغيرهم عبرة، أي ببساطة تحيا كـ “عسران الضبع”.

وإما أن تلك الدولة المتغطرسة، من خلال حدوتة “الطائرة” الساقطة، وما أكتفت به من فرض عقوبات –قد تكون وهمية-، تسعى إلى “تقوية” إيران في أعين دول الخليج، حتى لو ضحت – مؤقتا – بقدر من هيبتها بغية تحقيق مصلحة أسمى، بأن تصدر لهم عدم قدرتها على مواجهة إيران رغم ما فعلته، وإنها عاجزة عن مجرد الدفاع عن إحدى المعدات العسكرية الخاصة بها، ومن ثم تأكيد صعوبة الدفاع عن دول الخليج إذا ما قررت تلك الدولة الإعتداء على أي منهم.

ونظرا لثقتي – حينئذٍ – في أن “ترامب” لن يخوض حرباً؛ ليس حرصاً منه على عدم سفك الدماء البشرية كما يدعى زورا، وإنما لعلمه بأن قرار كهذا قد يؤثر بشكل كبير على شعبيته، ومن ثم على اعادة انتخابه فترة رئاسية أخرى، وهو ما يتماشى مع فكره الذي يعرفه الجميع، والذي كان يدير به دولته كأنها إحدى شركاته، وهو كرئيس مجلس إدارتها، أقصد رئيسها، كان يتفاخر دائما بحجم الأموال التي يجمعها من بعض دول المنطقة ابتذاذا واختلاسا لصالح بلاده.

لذلك كان التفسير الأقرب لسيناريو “الطائرة” الأمريكية، هو رغبة أمريكا في إظهار “إيران” كمارد ضخم يتعين أن تخشاه دول الخليج، رغم أنها قد تكون في الحقيقة مثل “عرفة” في حدوتة “الهلفوت”، وهو الأمر الذي سهل من تحقيق أمريكا لمآربها في إحكام السيطرة على دول المنطقة.

والخلاصة، آمل أن تدرك الدول العربية أن أمريكا “مدعية السطوة” تحيا على ما تصدره من “قلق” للجميع، وتملك من الحيل ما يجعلها تتحكم في أية دولة يتملك منها ذلك الشعور، لذلك علينا ألا ننجرف وراء ما تطلقه من تصريحات، وأن نوصد باب كل صراع بيننا، وخاصة في تلك الفترة المعقدة والصعبة إلى أبعد حد، حتى لا يأتي يوم نتمنى فيه أن يعود بنا الزمان للوراء لئلا نفعل ما فعلنا، رغم علمنا أنه لن يعود مهما أفرطنا في التمني.”

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى