الهرمل هَرمَت قبل أوانها والسبب… تقاعس الدولة
لين المصري لـ”رأي سياسي”
كمعظم مناطق قضاء بعلبك-الهرمل، لم تحظ عاصمة القضاء باهتمام الدولة اللبنانية وبقيت منطقة “الهرمل” البعيدة والمنسية بؤرةً للقهر والمعاناة الذي لحق بأهلها، بعد ان اقتنعوا بزيف وعود المسؤولين والسياسيين فيها، ليجدوا في أحضان دولتنا المجاورة “سوريا” الأمان والحنان الذي يفتقدوه، مستفيدين عبرها من التعليم والطبابة والغذاء وغيرها.
وتكاد الهرمل أن تكون المدينة الوحيدة في لبنان التي تضمّ سجلات قيودها لبنانيين يعيشون في بلد آخر ليس بسبب نزوحهم أو اغترابهم إليه، بل بسبب اتفاقية سايكس-بيكو التي فصلت لبنان وسوريا إلى دولتين، وقطعت أجزاءً من قضاء الهرمل وألحقتها بسوريا، فصارت قرى لبنانية داخل الحدود السورية.
يقع قضاء الهرمل، التابع لمحافظة بعلبك الهرمل، في أقصى البقاع الشمالي، وينحدر من القرنة السوداء (أعلى قمم لبنان) ويعتبر القضاء الأبعد عن المراكز السكنية الرئيسية والمدن الكبيرة.
يحدّه من الجنوب والشرق قضاء بعلبك، ومن الغرب قضاء عكار وقضاء الضنية، ومن الشمال سوريا، على بعد حوالي 143 كلم من بيروت، ومعدّل ارتفاع 780 متراً عن سطح البحر.
يمكنك معرفة أن قدماك قد وطأت في مدينة الهرمل عندما تتمكن من رؤية “القاموع” عند المدخل الشرقي الرئيسي للمنطقة، والذي تم نصبه على قمة تلة وسط أرض جرداء لإمكانية مشاهدته عن بعد أميال ومن كل صوب.
وتعود قصة بناء ذلك الهرم، بحسب بعض الروايات، إلى حوالي سنة 175 ق. م. في عهد الحاكم الروماني اليسندرو مانو الذي كان يعرف باسم «هرم ايل»، ويُقال إن اسم الهرمل اشتق منه.
تضم مدينة الهرمل الى جانب “هرمها” صروح أثرية مهمة أبرزها: نهر العاصي الذي عصى اتجاه بقية أنهار لبنان ولوحة نبوخذ نصّر (الثاني) في صريفا في وادي الشربين، ودير مار مارون وقصر البنات على نهر العاصي وعدداً من الكنائس البيزنطية.
أعلنت الدولة اللبنانية بعلبك الهرمل محافظة مستقلّة عن البقاع بموجب القانون 522 في 16 تموز 2003 ويضم اتحاد بلديات الهرمل-الذي أنشئ في 13 كانون الأول 2005-6 بلديات هي: الهرمل، القصر، جوار الحشيش، فيسان, الشواغير والكواخ.
وتتميز الهرمل بنسيجها العشائري حيث تتركّز العشائر تاريخياً في الجرود، نذكر منها: آل جعفر وآل زعيتر وآل دندش وآل ناصر الدين وآل علوه وآل حمادة.
لكن المشاكل ذات الطابع العشائري لم تجعل من الهرمل يوماً مكاناً آمناً، فقد شهدت العديد من جرائم القتل وإطلاق الرصاص والقذائف التي كانت تصيب الأبرياء خلال تشييع أبناء أحد العشائر او عند نشوب أي مشكلة بينهم.
كما بعلبك “المنسية”، عانت الهرمل أيضا من صرف نظر الدولة عنها فهي ليست فقط الأبعد عن العاصمة جغرافيا بل إنمائيا أيضا.
لقد نزح 50% على الأقل من سكان مدينة الهرمل، وهي أعلى نسبة نزوح في لبنان وفق أرقام الإحصاء المركزي، بسبب الإهمال وبُعد المنطقة عن الدوائر الخدماتية الأساسية والتعليمية والاستشفائية… بحيث لم يتم تدشين مقر لسرايا الهرمل حتى العام 2006 كما لم يظهر حضور الدولة الطبي في المنطقة منذ زمن الاستقلال الا من خلال مستوصف يفتقر لغرف العمليات والمختبرات الطبية حتى العام 2006 أيضا، حيث تم تدشين مستشفى حكومي في المنطقة، لكن الهرمل ظلت تسجل أدنى المستويات من حيث التغطية الصحّية وفق إدارة الإحصاء المركزي.
أما إذا أراد أحد أبناء الهرمل الالتحاق بالجامعة فهو مجبر على الذهاب الى زحلة التي تبعد حوالي 150 كلم عن المدينة او الى العاصمة بيروت، ناهيك عن طرقات الموت المظلمة و”المحفرة” التي سيسلكها الفرد وصولا الى الأماكن المراد قصدها. فقبل بضعة سنوات تم إنارة طريق الهرمل بلوحات الإضاءة الشمسية المعلقة على الأعمدة لتخزين الطاقة وتحويلها الى كهرباء “ويا فرحة ما تمت”، فقد اشاع القيّمون على مشروع الانارة، ان اللوحات قد سرقت.
اذ ان الأوضاع المعيشية الصعبة التي يمر بها اللبنانيين حالياً، جعل منطقة الهرمل عرضة للسرقات، فقد أقدم البعض على سرقة مقتنيات المدارس والسياج الحديدي المحيط بقاموع الهرمل، وحتى البيوت.
وعن عملية سرقة كابلات الكهرباء التي تغذي محطة “حي الوقف” في مدينة الهرمل مؤخراً، من قبل مجهولون، ما ادى الى حرمان أكثر من خمسين بلدة من التيار الكهربائي، قال رئيس اتحاد بلديات الهرمل، الأستاذ نصري الهق، في حديث ل “رأي سياسي” أن: “الدولة لم تقدم على أي خطوة عقب هذه الحادثة، ويوجد من هم في الدولة يقومون بأعمال سرقة.”
أما عن واقع المنطقة في ظل تفشي جائحة كورونا وارتفاع أسعار المواد الغذائية والحياتية نتيجة انخفاض قيمة الليرة اللبنانية الى أدنى مستوياتها مقابل الدولار الأميركي، أشار الأستاذ نصري الهق، أن بلدية الهرمل لم تترك أهلها على غرار باقي القرى المجاورة، فقد تعاونت مع ممولين الى جانب أصحاب الأيادي البيضاء في اعالة جميع العائلات المحتاجة من خلال إقامة “ماراتونات” لتلقي اللقاح المضاد لفيروس كورونا وتقديم المواد الغذائية والأدوية اللازمة ومبلغ متواضع من المال دون أي تدخل من الدولة.
أما عن مناشدات اتحاد بلديات الهرمل للدولة اللبنانية، قال الهق: “مشكلتنا الأساسية تكمن في صعوبة توجه طلاب المنطقة نحو جامعاتهم نظرا لغلاء كلفة النقل وسبق للبلدية ان قدمت مساحة أرضية لإنشاء صرح جامعي الا انها تفتقد التمويل”
وأضاف “نحن نطالب الدولة بالاطلاع على أحوال منطقتنا وإيجاد الحلول في أسرع وقت ممكن، وايجاد حل لأزمة الشح في المحروقات وضرورة تزويد المدارس بمادة المازوت لما يعانيه طلابها من برد قارس في الشتاء إضافة الى عدم نيل الأساتذة والمعلمين أدنى حقوقهم.”
أخيراً، نأمل الا تبقى الوعود المقدمة الى هذه المنطقة المحرومة منذ زمن، حبرا على ورق وان تجعلها الدولة أولوية ضمن خطة “الإنماء المتوازن”.