كتب يونس السيد في صحيفة “الخليج”: ليست أوكرانيا وحدها وتداعيات أزمتها المستمرة منذ نحو عشرة أشهر من تلقي بظلالها على التباينات والخلافات المتفاقمة داخل القارة الأوروبية، بعد أن فرضت قضايا أخرى، تتقدمها مسألة الهجرة القادمة من وراء البحار، على أجندة القارة العجوز، وأشعلت، مؤخراً، فتيل التوتر بين روما وباريس على وجه الخصوص.
ومع أن قضية الهجرة ليست جديدة، وتسبق اندلاع الأزمة الأوكرانية بعقود، إلا أن وصول اليمين المتطرف في بعض أنحاء القارة إلى السلطة، كما في إيطاليا مثلاً، أضفى بعداً جديداً على الخلافات القائمة داخل القارة، على نحو بات يهدد وحدتها.
والمفارقة أن الصراع بات ينحصر بين اليمين الأوروبي الذي يعتبر نفسه مدافعاً عن الديمقراطية، ويمسك بمعظم مواقع السلطة في القارة العجوز، واليمين المتطرف والشعبوي الذي يتنامى داخل كل دولة من دول القارة، على الرغم من أن صعود اليمين المتطرف جاء أيضاً من خلال العملية الديمقراطية. وإذا كانت مواقف اليمين المتطرف المتشددة معروفة أصلاً تجاه قضية الهجرة والمهاجرين، فإنه بات يضع علاقات الدول بين بعضها البعض على المحك، كما هو الحال بين إيطاليا وفرنسا، وبين فرنسا وبريطانيا، ناهيك عن تداعيات الهجرة من أوكرانيا وما أفرزنه من خلافات بين مختلف دول القارة.
منشأ التوتر الأخير بين روما وباريس جاء على خلفية رفض الحكومة الإيطالية اليمينية المتطرفة برئاسة جورجيا ميلوني المعروفة بموقفها الصارم حيال المهاجرين، استقبال سفينة «أوشن فايكينغ» الإنسانية التابعة لمنظمة غير حكومية، التي كان على متنها 234 مهاجراً، وإحالتها إلى أحد الموانئ الفرنسية، ما دفع فرنسا إلى إدانة هذا الموقف باعتباره «غير مقبول»، ونفي ادعاءات ميلوني بموافقة باريس على استقبال تلك السفينة، واصفة سلوك الحكومة الإيطالية بأنه «مخالف لقانون البحار ولروح التضامن الأوروبي»، وداعية روما إلى احترام التزاماتها الأوروبية في إطار الاتفاقيات التي كانت تنظم تقاسم أعباء الهجرة واللجوء إلى دول الاتحاد.
وفي النهاية، انفجر الخلاف علناً، وتبادلت فرنسا وإيطاليا الاتهامات والتصريحات الحادة، على نحو بات يهدد وحدة دول الاتحاد والتضامن فيما بينها إزاء موضوع الهجرة، ما دفع المفوضية الأوروبية إلى التدخل لاحتواء الخلاف ومنع تفاقمه. وتقرر عقد اجتماع استثنائي في بروكسل، بدعوة من باريس، بمشاركة وزراء الداخلية الأوروبيين في مسعى لحل الخلاف بين روما وباريس، ومسألة اللاجئين من أوكرانيا، والبحث في كيفية وقف تدفق المهاجرين إلى القارة العجوز.
لكن لا يبدو أن مثل هذه الاجتماعات قادرة على فعل ما هو أكثر من التهدئة، نظراً للسياسة المتشددة التي تتبناها ميلوني بشأن الهجرة ويتقاسمها معها شريكها في التحالف اليميني المتطرف ماتيو سالفيني رئيس حزب «رابطة الشمال»، وبالتالي لا ينتظر أن تتراجع ميلوني عن هذه السياسة التي كانت جزءاً رئيسياً في حملتها الانتخابية وبسبب قاعدتها الانتخابية التقليدية المناهضة للمهاجرين.
ويرى بعض المحللين أن موضوع الهجرة كان أحد الأسباب الرئيسية في تنامي المشاعر المناهضة للمشروع الأوروبي في إيطاليا، وفي تعطيل إصلاحات عرضتها المفوضية الأوروبية على الأعضاء منذ نحو عامين.