رأي

الهجرة غير الشرعية والتنمية

كتب محمد خليفة, في “الخليج” :

تمثل الهجرة غير الشرعية كابوساً يقضّ مضاجع الدول المستقبلة لها، وخاصة في أوروبا التي يصل إليها، بطريقة غير شرعية، كل عام، عشرات الآلاف من البشر، كباراً وصغاراً وذكوراً وإناثاً، غير مبالين في سبيل ذلك بما يلاقونه من أهوال، قد يدفع أحدهم حياته وحياة أقرب الناس إليه في سبيل هذا الحلم، وفقاً لبيانات جمعها مشروع المهاجرين المفقودين التابع للمنظمة الدولية للهجرة؛ فقد توفي ما لا يقل عن 8,565 شخصاً على طرق الهجرة في جميع أنحاء العالم العام الماضي.

لقد كانت الهجرة بمختلف أنواعها، في الماضي، مقتصرة على الراغبين في الحصول على حياة أفضل، فقد جذبت قارة أمريكا بقسميها الشمالي والجنوبي، المهاجرين من مختلف مناطق العالم، ومن ثم عندما بدأ عصر الرفاه في أوروبا، في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، انجذب الحالمون بحياة أفضل، نحو تلك القارة، لكن ظلت أعداد المهاجرين متواضعة، بيد أن الهجرة اتخذت أبعاداً خطيرة في مطلع القرن الحالي، بعد التدخل الدولي في أفغانستان، ومن ثم الحرب في العراق، حيث بدأت تتدفق موجات اللاجئين نحو الدول الأخرى، ومن ثم بدأت موجات الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا عبر البحر المتوسط، خاصة الدول العربية في شمال إفريقيا، ودول وسط الصحراء الإفريقية.

ولم يقتصر الأمر على القارة الإفريقية، على اعتبار أنها القارة الأفقر من بين قارات العالم الست، فقد تفاقمت هذه الظاهرة كثيراً مع حدوث الفوضى في بعض الدول العربية، فأصبحت دول مثل: العراق وسوريا وليبيا وتونس واليمن، طاردة للسكان، غير أن ظاهرة الهجرة غير الشرعية قد ازدادت في الآونة الأخيرة كثيراً؛ فزاد تدفق المهاجرين غير الشرعيين من دول الساحل وإفريقيا جنوب الصحراء، نحو دول شمال إفريقيا، والوجهة الأساسية هي أوروبا، فأصبح المهاجرون يتكدسون بأعداد ضخمة في دول شمال إفريقيا.

وتتضارب الإحصائيات بشان الهجرة غير الشرعية في العالم، حيث تشير منظمة العمل الدولية أن نسبتها تقدر ما بين 10 إلى 15 في المئة من حجم المهاجرين عبر العالم البالغ عددهم حسب الإحصاءات الأخيرة للأمم المتحدة نحو 180 مليون شخص، فهناك هجرات شرعية منظمة تستقطب الكفاءات من العلماء والفنيين ومن ذوي الاختصاصات المختلفة، وحسب منظمة الهجرة الدولية فإن عدد المهاجرين غير الشرعيين في أوروبا وحدها تجاوز 1.5 مليون شخص، كما تقدر الأمم المتحدة عدد المهاجرين غير الشرعيين في السنوات العشر الأخيرة إلى دول العالم المتقدم، أوروبا وكندا وأستراليا والولايات المتحدة، بنحو 155 مليون شخص، وتشير الإحصائيات العربية إلى زيادة عدد المهاجرين غير الشرعيين في السنوات الأخيرة ب 300 في المئة..

وقد أسهمت القوانين الأوروبية التي تتساهل مع الهجرة غير الشرعية في زيادة تدفق المهاجرين، وهناك دول أوروبية، مثل: بريطانيا التي عانت كثيراً جراء تدفق المهاجرين الذين يصلون إلى أرضها بطرق غير شرعية. قد ظهر فيها تيار يميني متطرف رافض لوجود الآخر المختلف على أرضه. وقد كشفت أحداث الشغب، الأسبوع الماضي، مدى خطورة ذلك التيار الذي قام مناصروه بالتظاهر على خلفية معلومات مضلّلة حول حادث طعن تسبّب في مقتل ثلاث طفلات بمدرسة في ساوثبورت. وامتدّت الاضطرابات، إلى بلدات ومدن عدة، وشهدت أعمال شغب وعنف واسعة. وليس هذا سوى مشهد بسيط مما قد يفعله اليمين المتطرف في حال وصوله إلى السلطة في بريطانيا أو في غيرها من دول الغرب.

ورغم تشديد إجراءات قبول المهاجرين واللاجئين في دول الاتحاد الأوروبي، مؤخراً، لكن لم يتوقف تدفق المهاجرين، وخصوصاً إلى إيطاليا التي تعاني كثيراً جراء هؤلاء. وفي إطار سعي الحكومة الإيطالية لإيجاد حل دولي لأزمة الهجرة غير الشرعية، فقد انعقد في العاصمة الإيطالية روما، «المؤتمر الدولي للتنمية والهجرة»، لمناقشة الهجرة غير الشرعية، الذي افتتحته رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني، بحضور رؤساء دول وحكومات ومسؤولين معنيين وخبراء، إلى جانب ممثلي العديد من المنظمات الإقليمية والدولية والمؤسسات المعنية بقضايا الهجرة وتحدياتها، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية وغيرها.

وفى نظرة أعمق للقضاء على هذه الظاهرة، فقد أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، خلال المؤتمر، مساهمة دولة الإمارات بمبلغ 100 مليون دولار لدعم المشاريع التنموية في الدول المتأثرة من ظاهرة الهجرة غير النظامية، ويتضمن ذلك دعم المبادرات المطروحة في «مسار روما». وكان المؤتمر قد ناقش تحديات الهجرة غير النظامية والحاجة الملحة إلى إيجاد حلول متكاملة تعالج أسبابها من جذورها، إلى جانب البحث عن السبل الكفيلة بالحد من هذه الظاهرة والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بعوامل التنمية الاجتماعية والاقتصادية والأمن والاستقرار في بلدان الهجرة.

من دون شك فإن القضاء على ظاهرة الهجرة غير الشرعية أمر صعب، لكن من خلال العمل الجماعي الدولي يمكن تجفيف منابع الهجرة، وذلك عبر دعم الأمن والاستقرار في الدول التي لا تزال تعاني آثار الفوضى التي حدثت في بعض الدول العربية، وبعض الدول المجاورة الأخرى. وأيضاً من خلال دعم الدول الطاردة للمهاجرين في إفريقيا، وخصوصاً دول الساحل وجنوب الصحراء.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى