النموذج الصيني في إفريقيا
كتب صحيفة”الخليج”: لطالما ظلت القارة الإفريقية على مدى العقود الماضية، نهباً للاحتلال والاستعمار الأوروبي الذي استولى على ثرواتها وخيراتها، وتركها نهباً للفقر والجوع والفساد، من دون أن يعوّض عليها بعد رحيله شيئاً مما تستحقه من دعم ومساعدات.
ومع ذلك، ظلت القارة السمراء هدفاً للاستقطاب الغربي في محاولة لتحويلها إلى قاعدة خلفية لنشاطات الهيمنة والصراع مع الدول الأخرى. لكن مع التحولات العالمية التي جرت خلال السنوات الماضية، وخصوصاً مع صعود الصين قوةً اقتصادية وازنة، وتوجهها نحو العالم ببرامج وخطط تنموية وإنمائية مهمة، وتحديداً مع إطلاقها مبادرة «حزام واحد وطريق واحد» عام 2013، من أجل ربط الصين بالعالم، وإقامة أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية، بدأ وجه القارة يتغير.
كانت القارة الإفريقية في قلب هذه المبادرة نظراً لم تشكله من موقع استراتيجي، ومكاناً مميزاً للاستثمار جراء ما تختزنه القارة من ثروات وإمكانات بشرية.
تمكنت الصين من تثبيت وجودها من خلال دبلوماسية «القوة الناعمة» التي استخدمتها من دون التدخل في الشؤون الداخلية للدول الإفريقية، وأقامت علاقات من الثقة المتبادلة مع زعماء القارة، ودعم ذلك أن الصين ليس لها تاريخ استعماري ولم تلجأ إلى استغلال ونهب دول أخرى كما فعلت الدول الأوروبية.
ومثالاً على ذلك، ومع انسحاب فرنسا عسكرياً من مالي ووقف مساعداتها التنموية وإلغاء «عملية برخان» في الساحل الإفريقي في مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وجدت الصين الأبواب أمامها مشرعة لتعزيز وجودها الاقتصادي في ذلك البلد؛ حيث تم تنظيم المنتدى الاقتصادي الصيني – المالي في العاصمة باماكو، كما تم توقيع مذكرة تفاهم مع بكين لتركيب وحدتين للغزل والنسيج برأسمال 200 مليون دولار، ويمكن أن يوفر هذا المشروع 5 آلاف فرصة عمل، باعتبار أن القطن يمثل الصادرات الرئيسية لمالي، كما تشارك شركات صينية في استخراج الذهب الذي تمثل صادراته المدخول الثاني لمالي، إضافة إلى العديد من مشاريع البنى التحتية من طرق ومطارات ومستشفيات ومحطة للطاقة الكهرومائية..
وإذا كانت مالي تمثل آخر بلد لنجاح النموذج الصيني في إفريقيا، فإن نجاحات الصين بدأت قبل سنوات؛ بحيث تحولت إفريقيا إلى ورشة صينية هائلة في مختلف قطاعات التنمية، وأصبحت بكين أهم شريك تجاري للقارة؛ إذ بلغت قيمة التجارة الثنائية 187 مليار دولار عام 2020 على الرغم من الصعوبات التي فرضتها جائحة كورونا. وبلغ الاستثمار الصيني2.9 مليار دولار في 2020 بزيادة 9.5 في المئة. كما تم بناء 25 منطقة صينية للتعاون الاقتصادي والتجاري في 16 دولة، وجذبت هذه المناطق 623 شركة باستثمارات بقيمة 7.3 مليار دولار، ووفرت أكثر من 46 ألف فرصة عمل للأفارقة.
في القمة الصينية الإفريقية التي عقدت عام 2018 تعهد الرئيس الصيني شي جين بينغ بتقديم 60 مليار دولار للمساهمة في تنمية القارة، منها 15 مليار دولار كمساعدة مجانية وقروض من دون فوائد، وإلغاء جزء من ديون الدول الإفريقية.