نائلة حمزة عبد الصمد .
خاص رأي سياسي …
يستعر السجال من جديد حول وجود اللاجئين السوريين في لبنان . فهذا الملف الذي عجزت السلطة عن معالجته حتى اليوم يتفاعل بشكل كبير، وآخر فصوله الدعوات اللبنانية من رسمية وشعبية للمطالبة بترحيل هؤلاء الى بلدهم مع ارتفاع خطورة بقائهم في لبنان وما لهذا الامر من تداعيات كبيرة دقّت القوى السياسية ناقوس خطرها، محذّرة من استهداف هذا الملف البُنيان الامني والديمغرافي اللبناني.
كل ذلك تزامن مع دعوات أطلقتها مجموعات سورية معارضة عبر مواقع التواصل الاجتماعي دعت الى الرد على الدولة اللبنانية، ووصل الامر ببعض المعارضين الى توجيه إهانات بحق المؤسسة العسكرية والشعب اللبناني، وهو أمر لاقى حملة من الاعتراض من أكثر من جهة ، واستدعى مواقف تؤكد على دور الجيش اللبناني في حفظ الأمن .. فحملة الجيش هذه ليست وليدة اللحظة، بل بدأت منذ نيسان 2019 بعد قرار للمجلس الأعلى للدفاع كلّف بموجبه الجيش بترحيل جميع السوريين الذين لا يحوزون الأوراق الرسمية اللازمة.
وأكثر ما يزيد من مخاوف اللبنانيين الحديث المتكرر عن إمكان تحوّل مخيمات النازحين إلى مخيمات مسلحة، لأن أكثرية السوريين مدربون، وسبق وخدموا في الجيش السوري ويمكنهم حمل السلاح. يضاف إلى ذلك أن طريق عودة النازحين دونها عقبات كثيرة أهمها المساعدات التي يحصل عليها النازحون في لبنان، وتحذير منظمات دولية من تعرض العائدين للاعتقال بعد عودتهم، مع أن أعداداً كبيرة من الموجودين في لبنان تؤيد الدولة السورية .
من هنا بدأ التحرك السياسي والأمني على أكثر من صعيد لمنع أي خطوة باتجاه التصعيد بالتزامن مع طلب رسمي من السلطات اللبنانية الى المنظمات الدولية المهتمة بشأن النازحين ، داعية اياها الى التصرف قبل أن تنفجر الامور خصوصا وان بعض التقارير الامنية تُبدي تخوفها من طابور خامس يتحضر لاشعال معارك مسلحة بين السوريين واللبنانيين في بعض المناطق ، بحجة التعرّض للنازحين .
هذا المستوى من الاحتقان ، لم يأت من عبث… بل نتيجة تراكم مواقف تحريضية تعزز أجواء الفتنة. ناهيك عن الحملات الإعلامية المحلية التي تربط تفشي الجرائم والتلوث والفقر والفوضى وكل مظاهر الانهيار بالوجود السوري.
وصدرت صرخات من الداخل اللبناني واصفة النزوح ب”الاحتلال” ، والذي يجري فيه استخدام التغيير الديموغرافي أداةً للسيطرة على الأراضي والموارد والنفوذ السياسي .
وفي هذا الاطار، صعّد النقيب مارون الخولي الذي يحمل لواء مقاومة الاحتلال الديموغرافي للنازح السوري بحسب وصفه، اثر دعوة النازحين للتظاهر ، ورأى في حديثه ل”رأي سياسي” أن قرار وزير الداخلية والبلديات بسام المولوي جنّب البلد كارثة ومصيبة خصوصا وان الاحتقان الشعبي من ملف النازحيين السوريين كبير.
واعتبر أن تأييد حملة مقاومة الاحتلال الديمغرافي للنزوح وصولا الى انهائه بعودة الزامية لكل النازحيين السوريين باستثناء البعض منهم الذين لا يتجاوز عددهم 13 الف والذين لديهم ملفات امنية مع الحكومة السورية بصفتهم من المعارضة السياسية وهم فئة يحتضنها لبنان الرسمي والشعبي التزاما بالمواثيق الدولية لجهة حقوق اللاجئين السياسين وذلك لحين تسوية اوضاعهم”.
نحن هنا لا نعطي كل الحق للبنانيين بالتعامل بشكل سيئ وعنصري مع اللاجئ السوري. الا ان المشكلة أصبحت أخطر من ذلك ، ووصلت الى مرحلة العنف اثر اشكالات حصلت في أكثر من منطقة ، وما يغذي ذلك ،الاجراءات المُتخذة بحق السوريين غير القادرين على مغادرة لبنان وتسوية أوضاعهم في بلدهم الأم والذين يتعرضون لمضايقات من لبنانيين.
التحذيرات اللبنانية من استمرار الدعم الدولي للاجئ السوري على حساب اللبناني لم تتوقف ، خصوصاً في ظل ما يحدث يومياً ، فالنقمة تزيد ولا أحد يضمن ردات الفعل المباشرة من قبل اللبنانيين، فالذي يحصل يشبه الى حد كبير القنبلة التي ستنفجر بأي لحظة ، ما قد ينذر بعواقب خطيرة .
معنيون بالملف أشاروا الى أن الضرر من الوجود السوري بات واضحاً أبرزه التأثير الاقتصادي المباشر الذي يتسبب به النزوح ، وخروج الدولار من لبنان عن طريق آلاف النازحين العائدين الى بلادهم بالاضافة الى عمالة عدد كبير من هؤلاء من دون التصريح عنهم، ما يفوّت على الخزينة العامة موارد ضريبية ، والاخطرالضغط الهائل على البنية التحتية من كهرباء ومياه وطرقات وشبكات صرف صحي وغيرها من دون القدرة على إعادة تأهيلها.
ومن هنا فإن أزمة النزوح السوري تستدعي إبعاد الملف عن التجاذب السياسي واتخاذ قرار لبناني جامع لمعالجة تداعياته …