رأي

النزاع الكوري الشمالي – الياباني


كتب د. منصور جاسم الشامسي, في الخليج:

نِزاع كوريا الشمالية واليابان خَطِرٌ وتاريخي ومعقد ومُرَكَّب من «تناقضات» سياسية أيديولوجية ثقافية اجتماعية اقتصادية، والتوتر عالٍ، ولم يتم تأسيس علاقات دبلوماسية رسمية بينهما قطّ. و«التاريخ الأليم» يشكل حاضر علاقتهما الثنائية ومستقبلها.
ظهرت الإمبراطورية العسكرية اليابانية في (1867 – 1945) كقوة عالمية جديدة، وغزا جيشها كوريا وضمها إلى اليابان في 1910، واستمر الاحتلال الياباني حتى 1945. مارس اليابانيون خلالها القمع الشامل، وفرض اللغة اليابانية، وإلغاء التعليم الكوري، وتجنيد الكوريين في الجيش الياباني، واستغلال الموارد الكورية، وطمس الهوية الكورية عبر شن حرب شرسة على مظاهر الحضارة الكورية. وأقدمت السلطات اليابانية على إتلاف أكثر من 200 ألف كتاب تاريخ كوري بهدف فك ارتباط الكوريين بتاريخهم وماضيهم، ومنعت الكوريين من استخدام أسماء عائلاتهم، فأجبرتهم على تغيير أسماء عائلاتهم الكورية واعتماد أسماء عائلات يابانية، وسعت لطمس «الديانة الكورية» عبر فرض «الديانة اليابانية»، وتم هدم العديد من المعالم التاريخية الكورية، مثل «قصر غيونغبوكغنغ» (شُيد عام 1395) في عهد مملكة جوسون الكورية، وأثناء فترة الاستعمار الياباني دخلت كوريا نحو 100 ألف عائلة يابانية عاشوا كأسياد بعد حصولهم على الأراضي، وتم تغيير «النظام البيئي الكوري» لجعل المنطقة ذات طابع ياباني، وإرسال 700 ألف كوري إلى اليابان والمستعمرات اليابانية «كعَبيد» لشغل وظائف وأعمال يدوية بأجور متدنية. يقول المؤرخون إن ملايين الكوريين من الرجال جُندوا قسرياً، واسترقت النساء، وتعرضوا لأعمال التعذيب والقتل والتهجير والحجز والاعتقال والإجبار القسري. لذا، انتشرت لدى الكوريين عوامل الكراهية والشدة تجاه اليابان.
في إبريل/نيسان 2021، طالبت «منظمة كورية شمالية» اليابان بالاعتذار وتقديم تعويضات عن جرائمها وقت الاحتلال الياباني لشبه الجزيرة الكورية، والتوقف عما أسمته سياسات عدائية تجاه كوريا الشمالية. في يونيو/حزيران 2025، أكدت كوريا الشمالية أن «جرائم الحرب اليابانية لا تسقط بالتقادم حتى بعد 80 عاماً أو 800 عام»، ودعت اليابان إلى مواجهة تاريخها الاستعماري لكوريا (1910 – 1945) والتفكير بجدية في تاريخها الحربي. اليابان قدمت اعتذارات متتالية عن احتلالها لكوريا، لكن الكوريين الشماليين غير مُقتنعين بالاعتذار الياباني.
في أغسطس/آب 2023 قالت كوريا الشمالية: «إن اليابان تسعى لأن تكون دولة عسكرية تحت ذريعة التهديدات المُحيطة»، وهذا «تآمر ياباني». في مارس/آذار 2024، قالت كيم يو يونغ شقيقة الزعيم الكوري الشمالي، القيادية في الحزب والدولة: «إن كوريا الشمالية سترفض أي اتصال أو مفاوضات مع اليابان» رداً على طلب رئيس الوزراء الياباني، وقتئذ عقد فوميو كيشيدا قمة مع شقيقها من دون شروط. وردت عليه وزيرة الخارجية الكورية الشمالية تشوي سون هوي، المفاوضة النووية البارزة، بالرفض. وفي الفترة 1977 – 1983 اختطفت كوريا الشمالية مواطنين يابانيين، من داخل اليابان في ظروف، ولأسباب، غامضة.
وهناك تحشيد عسكري متزايد لدى الجانبين: الإنفاق العسكري الياباني ارتفع بأكثر من 16 في المئة في 2024 بموجب موازنة عسكرية تاريخية وافق عليها مجلس الوزراء في 2023، والتي تُسرع بنشر صواريخ كروز طويلة المدى يمكنها ضرب أهداف في الصين أو كوريا الشمالية. كما سيعزز الإنفاق العسكري للجيش بطائرات مقاتلة من طراز «إف-35» وأسلحة أمريكية متنوعة، حيث تعمل القوات المسلحة اليابانية بشكل متزايد مع حلف الناتو وتتولى المزيد من الأدوار الهجومية، وتمثل خطة الموازنة التي تبلغ قيمتها 7.95 تريليون ين (نحو 56 مليار دولار) للسنة المالية 2024، والتي محورها النشر المُبكر لصواريخ «المواجهة»، كما «تم تخصيص نحو 734 مليار ين (ما يعادل 5.15 مليار دولار) لصواريخ كروز من طراز (تايب-12) وصواريخ (توماهوك) الأمريكية الصنع، إضافة إلى تطوير الجيل التالي من الصواريخ البعيدة المدى». «وتُخطط اليابان لإنفاق 43 تريليون ين (نحو 300 مليار دولار) حتى عام 2027 لتعزيز قوتها العسكرية ومضاعفة إنفاقها السنوي تقريبا إلى نحو 10 تريليونات ين (68 مليار دولار)، ما يجعل اليابان ثالث أكبر منفق عسكري في العالم بعد الولايات المتحدة والصين. أيضاً، ستنفق اليابان أكثر من 80 مليار ين (نحو 562 مليون دولار) لتطوير صواريخ موجهة تفوق سرعتها سرعة الصوت ويبلغ مداها 3000 كيلومتر». وتضم اليابان أكبر عدد من القواعد العسكرية الأمريكية في العالم، حيث يوجد فيها 120 قاعدة عسكرية يوجد فيها نحو 50 ألف عسكري أمريكي، واليابان تحت حماية «المظلة النووية الأمريكية». 
كوريا الشمالية أجرت خمس تجارب نووية ما بين (2006 – 2016)، وتملك ما بين 50 – 70 رأساً نووياً، وتُطور أسلحتها التقليدية والنووية وأقمار التجسس العسكرية، وصاروخها الباليستي العابر للقارات «أقوى صاروخ استراتيجي في العالم»، والجيش الشعبي الكوري الشمالي قوامه 1.2 مليون جندي، إضافة إلى 4.5 مليون جندي في قوات الاحتياط، وهو رابع أكبر جيش في العالم من حيث عدد الجنود، ولديها «القنبلة الهيدروجينية»، و«الجيش الإلكتروني» الكوري الشمالي من أقوى جيوش العالم. في أغسطس/آب 2017 أطلقت كوريا الشمالية صاروخاً باليستياً مرّ قرب اليابان، وسقط في البحر. كما تُطلق «الصواريخ الباليستية والمُجنّحة غير المحددة» باتجاه «بحر اليابان». وعززت كوريا الشمالية تحالفها مع روسيا بتوقيع اتفاقية دفاع مشترك في 2024.
حالة «التكافؤ العسكري» و«توازن القوى»، النسبي، بين كوريا الشمالية واليابان، يمنع، تحول التوترات إلى الحرب الشاملة، رغم «التناقضات» التاريخية والسياسية والأيديولوجية، بين البلدين.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى