الناتو يتوسع.. وبوتين أخطأ التقدير
كتب فاضل المناصفة في صحيفة العرب:
الغرب اصطاد عصفورين بحجر واحد في حين غاصت روسيا في الوحل الأوكراني بينما توشك خطة الناتو (ب) على أن تكتمل وافتتح الغرب سنة 2024 بنبأ سار سيكون له وزنه على طاولة الحل السياسي.
بعد طول انتظار أعطت أنقرة الضوء الأخضر لانضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي لتنهي بذلك مسلسلا طويلا من الشد والجذب والمناورة، بعد أن رضخت السويد لشروط رجب طيب أردوغان في ما يخص نشاط حزب العمال الكردستاني وقدمت ضمانات أمنية في هذا الصدد من خلال القانون الجديد لمكافحة الإرهاب، الذي يتماشى مع المطالب والهواجس الأمنية التركية. إلى جانب ذلك تلقى أردوغان وعودا أميركية بشأن تمرير صفقة الطائرات الأميركية أف – 16 رغم المعارضة الشديدة التي كان يقودها رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي السيناتور روبرت مينينديز في قلب الكونغرس الأميركي.
بعد أن رفعت تركيا الفيتو المفروض على عضوية السويد ها هي الكرة الآن في ملعب رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان، الذي سيمارس بدوره أسلوب المقايضة ويضغط على الاتحاد الأوروبي لإسقاط المطالب المتعلقة بالإصلاحات القضائية والقيم الديمقراطية نظير الحصول على حزمة المساعدات المالية المخصصة لخطة الإنعاش الاقتصادي ما بعد كوفيد والتي حرمت منها المجر، هنا يمكننا القول إنه وبفضل الأولوية التي تبديها دول الغرب لمسألة عضوية السويد في الناتو أصبح أوربان في موقف قوة بعد أن أصبحت موافقته تستدعي من مفوضية الاتحاد الأوروبي غض النظر عن المسائل التي لطالما تذرعت بها لإبقاء التجميد على 13 مليار يورو كانت مخصصة لدعم الاقتصاد المجري.
وعلى الرغم من أن روسيا كانت مدركة منذ البداية أن عملية توسيع الناتو لن يوقفها الفيتو التركي وأن أردوغان الذي لعب دور الحليف المزدوج لن يصمد طويلا أمام الضغوط الأميركية والأوروبية، إلا أنها لم تستفد من عامل الوقت الذي قدمه التعطيل التركي لمشروع الناتو ولم تستطع إحراز تقدم عسكري حاسم ولافت في أوكرانيا، واكتفت بمجرد عملية ضم لمناطق أوكرانية وضعت بحر أزوف بين فكي كماشة. ومع ذلك فإن موقفها التفاوضي يبقى على ما هو عليه بالنظر إلى أن الأمور لم تجر بتلك السهولة التي تخيلناها جميعا في بداية الأمر.
في مقابل كل ذلك تمكن الناتو من خلال ضم فنلندا، وقريبا السويد، من إحكام سيطرته على بحر البلطيق، وإذا ما قارنا بين ما حققه الناتو خلال السنتين الماضيتين بما حققته روسيا فإنه يمكن ببساطة الحكم على العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا بأنها كانت عديمة الجدوى، باستثناء أنها كانت مجرد توسع جغرافي محدود النطاق لا يستحق كل هذا العناء وما ترتب عليه من فاتورة اقتصادية مكلفة.
سيتعين على روسيا أن تعترف بأنها أخطأت التقدير في الهجوم على أوكرانيا، وأن المعالجة العسكرية لهذا الملف ربما قد تكون سببا في صرف الناتو النظر عن خطة التمدد في أوكرانيا، لكنه في نفس الوقت فتح الباب لاستبدالها بخطة أوسع وأنجع جيوستراتيجية تشمل ضم السويد وفنلندا من دون أن تأبه لردة فعل الكرملين، الذي زعم في البداية أنه حرك دبابته نحو كييف لتفادي هذا التمدد، في النهاية يبدو أن الغرب قد اصطاد عصفورين بحجر واحد في حين غاصت روسيا في الوحل الأوكراني دون فعالية، بينما توشك خطة الناتو (ب) على أن تكتمل بعد أن أزاح أردوغان عقبته عن الطريق وافتتح الغرب سنة 2024 بنبأ سار سيكون له وزنه على طاولة الحل السياسي.
الدبلوماسية كان بإمكانها فعل الكثير مقارنة بما فعلته العملية العسكرية التي عزلت روسيا عن العالم وأقحمتها في حسابات جديدة ستجبرها على التعايش مع الجغرافيا الجديدة لحلف شمال الأطلسي على مضض، كان بالإمكان أن تبحث روسيا عن حلول لهواجسها الأمنية بأن تعود لبرنامج الشراكة من أجل السلام الذي كان يجمعها بالناتو بدل أن تنساق إلى إعادة إحياء الصراع السوفييتي – الغربي الذي كان فيه من الدروس ما لم تستوعبه روسيا بتكرارها لنفس الأخطاء وتوقعها لنتائج مغايرة.
اليوم وبعد أن أصبحت السويد قاب قوسين أو أدنى من الالتحاق بأعضاء الناتو، سيكون فلاديمير بوتين مضطرا إلى إيجاد إجابة على سؤالين مهمين: ماذا حققت روسيا بعد سنتين من الحرب؟ هل تمكنت روسيا من إبعاد الخطر عن حدودها أم أنها جعلته أقرب أكثر فأكثر؟