الناتو.. وأوكرانيا.. محلك سر
كتب عماد الدين حسين في صحيفة الشروق.
هل ستقبل قمة الناتو التى تبدأ اليوم فى العاصمة الأمريكية واشنطن عضوية أوكرانيا، أم تستمر فى حالة الرفض المغلفة بالغموض منذ ٣ سنوات؟!
أغلب الظن وبنسبة كبيرة جدا فإن قمة الناتو الحالية سوف تقدم لأوكرانيا العديد من المساعدات المختلفة والوعود الخطابية البراقة جدا، لكنها لن تقبل عضويتها رسميا كما حدث فى القمة الأخيرة فى فيلنيوس عاصمة ليتوانيا، وقبلها فى قمة مدريد الإسبانية.
أكتب هذه الكلمات من واشنطن حيث تلقيت دعوة من إدارة الإعلام بحلف الناتو لتغطية القمة، واستمعت وقرأت آراء كثيرة بشأن التوقعات، لكن الأكثر وضوحا هو ما قاله الأدميرال روبن باور رئيس اللجنة العسكرية للحلف فى مقابلة مع صحيفة الواشنطن بوست. هو قال: «لا نتوقع إجراء مناقشات فى قمة واشنطن بشأن انضمام أوكرانيا إلى الحلف لأنها أولا وقبل كل شىء فى حالة حرب، وإذا سمحنا لها بالانضمام فسوف يتعين علينا تفعيل المادة رقم ٥، لأن بند الدفاع الجماعى الموجود لدى الحلف سيجعل الناتو فى حالة حرب مع روسيا، والحلف يعتبر هذه الخطوة غير معقولة، وأوكرانيا تعلم بذلك».
ما قاله الأدميرال باور هو كلام واقعى جدا وغالبية أعضاء حلف الناتو يعلمونه جيدا، لكن من الواضح أن بعض مواطنى وقادة أوكرانيا يأملون فى معجزة تجعل الناتو يقبل عضويتهم فورا، وبالتالى يحارب معهم وتنتهى المشكلة حتى لو قادت لحرب عالمية.
ليس خافيا على أحد أن الولايات المتحدة صارحت الرئيس الأوكرانى زيلينسكى قبل قمة فيلنيوس الماضية، وقالت له كلاما واضحا، وهو نفس الكلام الذى قاله الأدميرال باور لصحيفة الواشنطن بوست.
وليس خافيا أيضا أن هذه هى وجهة نظر العديد من الدول الأعضاء فى حلف الناتو، وكذلك فى الاتحاد الأوروبى خصوصا ألمانيا، الدولة المحورية فى الحلف والاتحاد معا.
وليس خافيا أن دولا فى شرق أوروبا خصوصا المجر، يعارضون هذه الخطوة معارضة تامة، بل أن رئيس الوزراء المجرى فيكتور أوربان زار روسيا مؤخرا وهى الخطوة التى أغضبت عواصم غربية كثيرة خصوصا أن مواقف المجر قريبة من روسيا رغم عضوية بلاده فى الناتو والاتحاد الأوروبى.
نعلم أن العديد من دول حلف الناتو تقوم بتسليح أوكرانيا، ومؤخرا فإن بعض هذه الدول قررت تقديم أسلحة هجومية إلى كييف ثم حدث تطور مهم حينما تراجعت غالبية هذه الدول عن شرطها الجوهرى وهو ضرورة عدم استخدام أوكرانيا هذه الأسلحة لمهاجمة أهداف داخل روسيا، بعد أن كان الأمر مقصورا فقط على الدفاع عن النفس ضد القوات الروسية فى الأراضى التى فقدتها أوكرانيا.
وهناك انقسام بين دول الناتو بشأن قضية إرسال أسلحة هجومية لأوكرانيا، أو السماح لها باستعمال هذه الأسلحة ضد أهداف داخل روسيا. خصوصا أن روسيا أرسلت مذكرات رسمية إلى الحلف مؤخرا بأن إرسال هذه الأسلحة إلى أوكرانيا سوف تعتبر أهدافا مشروعة للقوات الروسية، ناهيك عن أنه يعتبر من وجهة النظر الروسية معوقا لأى مفاوضات سلمية. والمعروف أن روسيا تكرر دائما أن الولايات المتحدة وحلف الناتو ضالعان بشكل مباشر فى الصراع داخل أوكرانيا ليس فقط عبر إرسال الأسلحة، ولكن من خلال عمليات تدريب للقوات الأوكرانية وغيرهم على أراضى دول داخل الحلف مثل بريطانيا وألمانيا وإيطاليا.
أغلب الظن أن هناك محاولات للوصول إلى صياغة مرنة بشأن نقطة انضمام أوكرانيا للحلف حينما يصدر البيان الختامى لقمة واشنطن يوم الخميس المقبل.
التسريبات الصحفية فى واشنطن تقول إن الأعضاء يحاولون الوصول لصيغة مناسبة بشأن الوقت الذى ستصبح فيه أوكرانيا جاهزة للانضمام للحلف.
وبالتالى فالمتوقع على نطاق واسع أن تشهد كلمات وتصريحات قادة الحلف خلال القمة تقديم كل أنواع الدعم لأوكرانيا فى حربها ضد روسيا، لكن الأمر لن يصل إلى الموافقة على انضمامها للحلف. وربما يكون التعويض هو التعهد بتقديم ٤٣ مليار دولار سنويا لها كمساعدات إضافة الى المساعدات العسكرية.
وبالتالى فإن الجهد سوف ينصب على أهمية صياغة هذا الموقف فى البيان الختامى، من أجل إرضاء أوكرانيا لفظيا واستمرارها فى استنزاف روسيا، وبين عدم إغضاب روسيا بصورة كبيرة تجعل من انفلات الأمور والدخول فى حرب عالمية جديدة أمرا ليس مستبعدا.