رأي

المنظومة الإعلامية وعسكرة الإعلام.

كتب حسن فحص في إندبندنت.

قد لا يكون مفاجئاً أن تجري احتفالات “اليوم الوطني للصحافة والصحافيين” في إيران برعاية ومشاركة وخطاب توجيهي لقائد قوات حرس الثورة الإسلامية الجنرال حسين سلامي، وأن يتحدث رئيس غرفة العمليات المشتركة للقوات المسلحة الجنرال محمد باقري مع جماعات من قوات التعبئة (الباسيج) ويطلب منهم رفع مستوى اهتمامهم بمجال الحرب الناعمة والفضاء المجازي، لأن هذا الأمر يعتبر مكملاً واستكمالاً لعملهم المساعد للمنظومة العسكرية الوطنية، بخاصة مع اتساع دائرة الاهتمام الشعبي بهذا الفضاء والدور الذي يلعبه في نقل الخبر وتوجيه الرأي العام.

ولم يخرج خطاب سلامي أمام الصحافيين الذين شاركوا في الاحتفال عن الخطاب الذي يعتمده النظام والمؤسسة الأمنية وينطلق من مسلمة من الصعب أن يحدث فيها تغيير، أي اعتماد مبدأ الشك والاتهام بالعمالة حتى يثبت العكس، والذي يحدد العكس هو أجهزة النظام ومدى التزام الصحافي أو الصحيفة أو الوسيلة الإعلامية بالمحددات التي يضعها النظام للعمل الصحافي، أو التي تخدم رؤيته وخطابه وتدعم سلطته.

كلام سلامي حدد بصورة واضحة الخطاب الإعلامي الذي يريده النظام، وهو الإعلام الموالي أو المدجن والمصادر الذي لا يشكل مصدر قلق وإزعاج له، وإلا فإن من يخرج عن هذه القاعدة عميل ويخدم مخططات وأجندات أعداء إيران والثورة والنظام.

هذا التطور في التعاطي مع الإعلام والإعلاميين ووسائل الإعلام ومصادرته بصورة علنية يعني أن النظام وأجهزته الأمنية والعسكرية التي تشكل الجهة الأكثر نفوذاً في الدولة العميقة أو منظومة السلطة، لم يعودا يريان ضرورة لوضع القفازات خلال تعاملهما مع ما تبقى من وسط إعلامي، وأنه لم يعد يكتفي بما يمارسه هؤلاء الإعلاميين من رقابة ذاتية على ما يكتبون خوفاً من “عسس الليل” الذي يداهمهم أنى وجدهم ويزج بهم في السجن من دون محاكمات، أو في أحسن الأحوال بمحاكمات صورية.

اليوم الوطني للإعلام والإعلاميين ومحاولة جنرال حرس الثورة وضع مدونة للعمل الإعلامي المطلوب في هذه المرحلة من الصحافيين الإيرانيين، يأتي على عكس ما ادعاه بوجود حرية العمل الصحافي، بخاصة في السنة الأخيرة ما بعد الأحداث التي تلت مقتل الفتاة مهسا أميني في سبتمبر (أيلول) 2022، إذ تجري محاكمة الصحافيتين إلهة محمدي ونيلوفر حامدي اللتين كان لهما قصب السبق في نشر خبر مقتل أميني وإجراء لقاء مع عائلتها، وأن التهمة الموجهة إليهما لا علاقة لها بطبيعة عملهما الصحافي، بل بتعاونهما مع “دولة عدو”، ووجود غيرهما في السجون من دون محاكمات أو بانتظار محاكمتهم، وقد جرى اعتقالهما من بين أكثر من 100 صحافي قامت الأجهزة التابعة للحرس ووزارة الأمن باعتقالهم خلال العام الماضي.

النظام الذي يدرك جيداً حجم الأزمة التي يعانيها جراء خسارته المعركة الإعلامية، يعتبر في الوقت نفسه المسؤول الأول عن هذه الخسارة وانتقال الثقل الإعلامي من الداخل الإيراني إلى الخارج، وأن وسائل الإعلام المحلية لا تملك هامش العمل بالحرية التي يفترض أن يتمتع به العمل الصحافي، إما لأنها تابعة لمؤسسات النظام وموالية له وتتبنى خطابه وسرديته حتى من القناعة بها، وإما معارضة لا تجرؤ على قول كل الحقيقة وتبذل جهداً كبيراً في تدوير الزوايا خوفاً من الملاحقة والإقفال أو اعتقال العاملين فيها، وهذا ما أصاب النظام بحال من التوتر والإرباك عند اكتشافه حجم النفوذ والتأثير الذي تتمتع به وسائل الإعلام الإيرانية المعارضة التي تعمل في الخارج.

وعلى رغم إدراك النظام وقيادته حجم الأزمة التي يواجهونها على المستوى الإعلامي وتكشفت بشكل كبير وواضح في ما بعد حركة الاحتجاجات الأخيرة، إلا أن الممسكين بالقرار أو الدولة العميقة، ومن بينهم مؤسسة حرس الثورة بجهازيها العسكري والأمني، يجدون صعوبة في فهم الحاجة إلى اتخاذ خطوة جريئة على المستوى الإعلامي تساعد هذا الوسط في استعادة مكانته وتأثيره في المجتمع الإيراني، كما يبدو من الصعب عليهم القيام بخطوات تراجعية يعتقدون أنها قد تؤدي إلى خسارتهم كل الجهود التي بذلوها على مدى عقدين لتدجين وإرهاب الإعلاميين والكتّاب وتفكيك المؤسسات الإعلامية التي انتشرت وتوسع تأثيرها مع وصول القوى الإصلاحية إلى السلطة التنفيذية بانتخاب محمد خاتمي لرئاسة الجهورية عام 1997.

أذكر في عشاء وداعي أوائل عام 2005 أقامه أحمد مسجد جامعي، آخر وزير ثقافة وإرشاد في حكومة خاتمي، ودعا إليه عدداً من الصحافيين الأجانب العاملين في إيران خلال الفترة الانتقالية وقبل تسلم حكومة محمود أحمدي نجاد مهماتها التنفيذية، أنني سألت الوزير وفريقه في دائرة الصحافة الأجنبية التابعة للوزارة: “متى سيطلب منا أن نودع نسخة عن التقرير أو الخبر أو المقالة التي نكتبها قبل أن نرسلها إلى وسيلة الإعلام التي نعمل لمصلحتها؟ وكم علينا أن ننتظر من الوقت حتى نحصل على الإجابة؟”، فما كان من أحد مساعديه إلا أن قال “إذا كنت تعتقد ذلك فأرجو ألا يصل هذا اليوم”.

عسكرة الإعلام قد تكون الخطوة الأخيرة في المسار الطويل الذي سارت عليه منظومة السلطة وأجهزتها الأمنية وسخرت لها كثيراً من الإمكانات البشرية والمادية لتفكيك هذا الوسط والسيطرة عليه أو تدجينه وإخضاعه، وهو أسلوب ومسار قد يتوسع ليشمل القوى والأحزاب الموالية لإيران في الدول التي تشكل مسرحاً للنفوذ الإيراني أيضاً، بخاصة وأن تهمة التخوين والعمالة جاهزة وفي مرمى اليد وتستخدم لتطويع المنتقدين والمعارضين، وإلا كيف يفسر أخذ قائد مؤسسة عسكرية لعبت الدور الأساس في قمع الحريات الإعلامية ووسائل الإعلام مكان الوزير المعني بهذا القطاع في اليوم الوطني للصحافيين ليحاضر فيهم عن الإعلام؟ وما هو المطلوب من الإعلاميين ومؤسساتهم؟

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى