المنظمة الدولية في شيخوخة والعالم “مجموعات أمم متحدة”.
كتب رفيق خوري في إندبندنت بالعربي.
ماذا بقي من دور الأمم المتحدة في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين بحسب ميثاقها؟ أليس في دورة الخريف الـ78 بعلبة الكبريت الزجاجية في نيويورك شيء من خريف المنظمة الدولية؟ وهل في زحام الملوك والرؤساء والوزراء والسفراء ما يتجاوز الخطابة من فوق أعلى منبر دولي وما تقود إليه العلاقات والحسابات والمجاملات بين المسؤولين من لقاءات في الكواليس؟
الواقع أن المنظمة الدولية شاخت وليست بخير، فهي مجرد مرآة لأحوال العالم وهي مصابة بما لا علاج له من الأمراض التي أبرزها ستة. الأول أنها لا تعمل إلا في صراعات الصغار، والثاني أن الشلل يضربها حين يتصارع أو يختلف الكبار، والثالث أن الأمين العام للأمم المتحدة الذي يوصف بأنه “بابا علماني” محكوم بأن يملك أكبر مخزون من الدموع للتعبير عن القلق والبكاء حيال الكوارث، بحيث يصح فيه قول المتنبي، “على قلق كأن الريح تحتي”.
والرابع أن البيروقراطية فيها تتجاوز بمراحل “البيروقراطية في مصر” كما قال الأمين العام الراحل بطرس غالي، والخامس أن العالم اليوم لم يعد العالم الذي جرى تأسيس المنظمة الدولية على قياسه ضمن تفاهم بين روزفلت وستالين وتشرشل المنتصرين في الحرب العالمية الثانية، إذ صار قميص المنظمة ضيقاً على العالم المتغير.
والسادس أن مصالح الكبار وحساباتهم تفرض الجمود ونشاف الشرايين على المنظمة، فكل الوعود بالنسبة إلى إصلاح هيكلية مجلس الأمن لانضمام أعضاء جدد إلى الدول دائمة العضوية بقيت كلاماً في الهواء، والمجهول هو مصير اقتراح الرئيس بايدن ضم البرازيل والهند وجنوب أفريقيا وألمانيا واليابان إلى العضوية الدائمة. ولم يبصر النور الاقتراح الداعي إلى أن يصبح استخدام الفيتو مشروطاً بأن يمارسه عضوان أو أكثر لإبطال مشروع قرار بغية التخلص من مزاجية أو حسابات دولة واحدة.
وما كان من المفاجآت أن يخاطب الأمين العام أنطونيو غوتيريش قمة “الـ20” بالقول “إذا كنا بالفعل أسرة عالمية واحدة، فإننا نشبه أسرة تعجز عن أداء وظيفتها على النحو الصحيح، فالانقسامات تتزايد والتوترات تشتعل والثقة تتآكل، وكل هذا يهدد بالتشرذم ثم بالمواجهة في نهاية المطاف”.
وليس خارج المألوف بقاء المنظمة الدولية خارج أي تأثير في مسار حرب عالمية بالوكالة هي حرب أوكرانيا بين موسكو وكييف ومعها “الناتو”، وإذا كان الرئيس فلاديمير بوتين يرى أن حرب أوكرانيا تقود إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب، فإن السؤال ليس إن كان هذا النظام سيولد بل إن كان سيفرض تغييراً في نظام الأمم المتحدة.
ولا أحد ينكر أهمية الدور الإنمائي الذي تقوم به المنظمات التابعة للأمم المتحدة، منظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة، إلى جانب الدور الثقافي لمنظمة “يونيسكو” والدور الأمني لقوات الطوارئ الدولية، لكن العالم يدار عملياً عبر “مجموعات أمم متحدة”، “مجموعة السبع” و”مجموعة الـ20″ و”مجموعة بريكس” ومجموعة “آسيان” ومجموعة شرق آسيا ومجموعة “إيغاد” ومجموعة “شانغهاي” و”مجموعة الـ77 + الصين”، وربما على الطريق “مجموعة-2″ أي أميركا والصين، فضلاً عن أدوار المنظمات الإقليمية، الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأوراسي ومنظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية والاتحاد الأفريقي ومجلس التعاون الخليجي، فضلاً أيضاً عن الأحلاف العسكرية والأمنية والتفاهمات التعاونية حلف شمال الأطلسي و”أوكوس” بين أميركا وأستراليا وبريطانيا و”كواد: بين أميركا والهند واليابان وأستراليا و”العيون الخمس” بين أميركا وبريطانيا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا، والجديد هو محور بين أميركا وكوريا الجنوبية واليابان، وبدايات محور معاكس بين الصين وروسيا وكوريا الشمالية.
عالم واحد، لكنه مختلف، منظمة دولية كان يجب أن تكون “أم المنظمات”، وصراعات جيوسياسية تتجاوز إدارتها السياسة والاقتصاد والدبلوماسية إلى استخدام القوة العسكرية. وليس أخطر على العالم من حرب في أوروبا مثل حرب أوكرانيا سوى حرب آسيا بين أميركا والصين حول تايوان.