المناورات الأميركية – الفيلبينية وتأجيج الصراع في بحر الصين الجنوبي.
كتبت د. دانا العنزي في صحيفة الراي.
في الفترة الممتدة من 2 أكتوبر حتى 13 أكتوبر، ستقام في منطقة بحر الصين الجنوبي وتحديداً في أهم الجزر الفيلبينية المتنازع عليها مع الصين، مناورات بحرية مشتركة ضخمة بين البحرية الفيلبينية والبحرية الأميركية. وللمرة الثانية ستشارك كل من البحرية الفرنسية، والكندية، والإنكليزية، والأسترالية في المناورات التي تقام سنوياً بموجب اتفاقية الدفاع المشترك بين الفيلبين وواشنطن عام 1951.
وإن كانت المناورات تقام بصورة سنوية دورية بموجب الاتفاقية، إلا أنها تقام هذا العام وسط تصاعد بين الصين والفيلبين على خلفية قيام الصين في سبتمبر بنشر حواجز مانعة لدخول واحدة من الجزر الفيلبينية المتنازع عليها. وربما ذلك ما يفسر تحمس بحرية الدول الأخرى خاصة البحرية الكندية والاسترالية للمشاركة في المناورات، التي سيجرى فيها تجريب تكتيكات عسكرية وأنظمة دفاع وردع جديدة، كما يشارك فيها قرابة 1000 جندي بحري من القوات المشتركة.
رغم إستراتيجية التنافس التي يتبعها بايدن منذ توليه قيادة أميركا، ومع ذلك فإنه من أكثر رؤساء الولايات المتحدة في تاريخها حسماً وتصعيداً في أخطر ملفين في الصراع الصيني-الأميركي وهما بحر الصين الجنوبي وملف تايوان. إذ من المفارقات أن هذه المناورات الواسعة تقام وسط انفراجة نوعية في العلاقات الأميركية-الصينية في أعقاب زيارة وزير الخارجية الأميركي بلينكن لبكين في يونيو الماضي.
قبيل إقامة المناورات، صرح أكثر من مسؤول من الدول المشاركة، لا سيما مسؤولين أميركيين، أن مسعى المناورات الرئيسي هذا العام، هو التأكيد على حقوق سيادة الدول، وردع محاولات تقويض السلام والاستقرار في بحر الصين الجنوبي، والتأكيد على حرية الملاحة للدول في البحر بموجب قواعد القانون الدولي.
وهي رسائل -كما هو واضح- ذات لهجة تصعيدية تحذيرية شديدة للصين. فتصاعد سلوك الصين الجريء والحاسم في بحر الصين الجنوبي هو بالفعل أكثر ما يقلق واشنطن على الإطلاق، وليس ما يجرى من تطورات في أوكرانيا أو غيرها.
ويتخذ السلوك الصيني التصاعدي الحاسم في بحر الصين الجنوبي منحى متصاعداً منذ عام 2008، كانعكاس مباشر لصعود قوة الصين وتعزيز إيمانها بقوتها وقدراتها. ويعد بحر الصين الجنوبي منطقة حاسمة للصعود الصيني والمنافسة القوية على قيادة النظام الدولي، مقابل ذلك، يعد بحر الصين الذي تهمين عليه البحرية الأميركية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية حاسما جداً لاستمرار الهيمنة الأميركية على النظام الدولي.
وعلى أساس ذلك، فما من شك أن تلك المناورات لا سيما بزيادة مشاركة الدول الحليفة لواشنطن فيها من بينها دول بعيدة عن البحر ككندا، ستساهم في تأجيج الصراع بين الصين والولايات المتحدة في البحر. فالرئيس بايدن يسعى جاهداً لتطويق الصين عبر سياسة التحالفات حيث عزز من تحالف كواد الرباعي، ودشن تحالف أوكوس النووي، وكثف من المناورات البحرية في بحر الصين، وصعد مع الصين في تايوان، ومع ذلك، لم يردع ذلك الصين على الإطلاق.
في وقت، تتسم الإستراتيجية الصينية للصعود للهيمنة الدولية بالصبر والهدوء والحكمة وعدم الانجرار وراء تصعيد مبكر مدمر، والاعتماد على الإستراتيجيات والأدوات الناعمة والاقتصادية.
لكن رغم ذلك، تخالف هذه الإستراتيجية الهادئة في ما يتعلق ببحر الصين الجنوبي وتايوان، الذين تعتبرهما حقوقاً سيادية تاريخية للصين. وبالتالي، من المرجح أن يكون رد الصين على هذه المناورات أكثر حسماً هذه المرة، وهو ما سيدفع الصراع في بحر الصين الجنوبي إلى حلقة أكثر تصعيداً وربما غير مسبوقة، خاصة أن قوة الصين وقدراتها على التحدي أصبحت أكثر صلابة، ولم تستسغ على الإطلاق أن تمضى التحالفات والاستعدادات العسكرية الرادعة في البحر إلى مرحلة يتم فيها تقويض قدرات الصين على التحرك والتصعيد.
وملخص القول، التصعيد بين واشنطن وبكين في بحر الصين الجنوبي وتايوان لن ينتهي باتفاقات أو تفاهمات بين الجانبين. إذ هو مباراة صفرية يجب أن ينتصر فيها طرف بشكل نهائي وحاسم على الآخر. ربما يكون زمن المعركة العسكرية الحاسمة ليس مبكراً، لكن ما هو مؤكد أن التصعيد سيستمر بوتيرة أعنف خلال الشهور المقبلة.