المفتي قبلان: فلسطين بلد محتل من الصهاينة وأن نساوي بين الضحية والجلاّد ظلم وخيانة.
ألقى المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان خطبة الجمعة في مسجد الإمام الحسين في برج البراجنة، هذا نصها: “قال الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العزيز (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ)، قال الله ذلك صريحاً ليقول لخليقته يجب قتال الظالم والمجرم والمحتل والطاغية، وليقرّر بذلك أن القادر الساكت عن المحتل شريكٌ بفعل المجرم الطاغية، وهذا عين مطلبنا اليوم من قضية فلسطين وأهلها الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق، لصالح صهاينة طغاة بنوا كيانهم الإرهابي على ركام من الإبادة والمذابح والفظاعات، التي أسّس لها الانتداب البريطاني الفرنسي، ورعتها واشنطن في ما بعد. هنا بالذات يقول الله تعالى للشرفاء من أهل الأرض: يجب الخلاص من المجرم المحتل، وفي سبيل ذلك يجب تأسيس بنية وأرضية تساعد على كسر قوته والنيل من عزيمته، وهو ما تمّ ويتمّ بهمّة محور المقاومة إن شاء الله”.
أضاف:”المعركة بميزان الله تعالى معركة حق وإنصاف وانتصار للمظلوم والمستضعف، وليس لتكريس وثنية الظلم والطغيان العالمي والإقليمي، وكلّ الناس مطالبة بتكريس الحق والانتصار له، خاصة العرب والمسلمين، ككيانات وشعوب، ولا مفرّ لهم من ذلك، واليوم ثكنة الطغيان العالمي إسرائيل مهزومة أشدّ هزيمة، وأسطورتها التي جرى تسويقها لعقود تداعت بشكل كبير، فمن كان يقاتل في قرى محصّنة، ومن وراء دروع مصفّحة وجدر عالية، انكشف اليوم عن أسوأ هزيمة، وصدق فيه قول الله تعالى {ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}. منذ اليوم الأول لاقتحام أهم القواعد والمستوطنات الصهيونية في غلاف غزة، رأينا بأمّ العين حقيقة قوله تعالى (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ). وفي هذا السياق يقول الله من خلال هذه الآية للعرب كأمة وشعوب: إن لكم ثأراً لا نهاية له بعنق هذه الصهيونية التي عاثت في الأرض فساداً ودماراً وخراباً، وارتكبت كمّاً لا نهاية له من القتل والمجازر بحق شعوبنا وناسنا. وذلك بسياق قوله تعالى للناكثين أو الممسكين {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا}”.
تابع:”اللحظة لحظة خيار، والصهيونية هي الممثل الإقليمي للشيطان الأكبر في هذه الأرض، ومن يطبّع مع تل أبيب، أو يسكت عن ظلمها وإجرامها هو جزء من طغيانها وباطلها، والحلّ فقط بالانخراط في معركة الحق، التي تشكّل ميزان معجزات الله على الأرض. وما رأيناه يوم السبت حيث انهارت المنظومة العسكرية والأمنية الصهيونية ذات الترسانة الأكبر، لهو أكبر دليل على عظمة الله سبحانه، وعلى حقيقة قوله تعالى {فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ}. اليوم مركز عقلنا ووعينا ومدرستنا وثقافتنا وموقفنا التاريخي هو قوله تعالى {الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}، وتل أبيب وكيل الطاغوت الأكبر في الشرق، وثكنة شر إقليمي لا شبيه لها، ويجب استئصالها؛ والجميع مدعوّ للشراكة في هذه المعركة المصيرية، والعرب مطالبة بشعوبها وجيوشها وقاداتها ومرجعياتها الدينية أن تأخذ طريق الله لا طريق واشنطن، وإلا خابت، وما أسوأ الخيبة مع الله”.
تابع:”اليوم ديننا ونخوتنا وثقافتنا وموقعنا الإنساني يحتّم علينا الانخراط بكل أشكال الدعم والشراكة لفلسطين، بمعركة حقها ونصرتها وواجب غوثها، وهي على العرب والمسلمين أوجب كشراكة وغوث واندماج وطوفان، والله تعالى يقول {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، كل ذلك يجب أن يكون في مواجهة شراكة الظالم والمجرم والفاسد والطغاة الذين يشكّلون قوة الظلم والاحتلال ضمن محور الشر العالمي، وهو مقصود قوله تعالى {وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ}، ولا ثالث بين هذه وتلك، والمعركة اليوم كمعركة يوم الأحزاب، والحق: {اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ}، ولا بد لأهل الحق من سلمان وسيف عليّ، تماماً كيوم الأحزاب، التي اجتمعت فيه قريش والأحابيش واليهود كأكبر قوة لسحق النبي والذين آمنوا، وسط دعاية جارفة عبّر الله عنها بقوله {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ منَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}، وخاض الإمام علي(ع) غمام تلك المعركة المصيرية كحق، وممثل للحق الربّاني والمحمدي، فيما عمرو بن ود العامري خاض تلك المعركة كطرف ممثل للباطل بنسخة قريش والأحابيش واليهود، وفي تلك اللحظة الحاسمة على الإطلاق قال رسول الله :”برز الإيمان كله للشرك كله”، فلما صرع عليّ عمرو بن ود العامري وتمزّق جيش قريش واليهود والأحابيش، قال رسول الله يومها:”ضربة علي يوم الخندق تعادل أعمال الثقلين إلى يوم القيامة”، وفيه قال الله تعالى {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا}، نعم لقد كفى الله المؤمنين القتال في تلك المعركة المصيرية بعليّ بن أبي طالب، واليوم كالأمس ومجريات الأمور ستحدّد طبيعة المشهد، وما خاب من أعار جمجمته لله سبحانه وتعالى، كما قال سيد المجاهدين وأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب”.
وقال:”إننا نرفض بشدّة بعض ما صدر عن وزراء الخارجية العرب، وتذكّروا أن فلسطين ليست نزاعاً، بل هي بلد محتل من الصهاينة، وأن نساوي بين الضحية والجلاّد ظلم وخيانة، وتصحيح الموقف السياسي ضرورة ليتماشى مع التاريخ الصحيح. ما يجري في فلسطين حرب صهيونية – أميركية – أوروبية بوجوه مختلفة، والمجهود الحربي الذي تقدّمه واشنطن وأوروبا لتل أبيب لا سابق له، ورغم ذلك انتهت الأسطورة الصهيونية وتلاشى زيفها. المطلوب من بعض العرب أن يتعرّبوا من جديد، لأن ذلّ التبعية العمياء لواشنطن حوّلهم عبيداً بلا شرف. إن ما تقوم به تل أبيب من قصف ودمار وفظاعات ومجازر من خلال طائراتها المدعومة بحاملة الطائرات الأميركية وترسانات غربية لن يغيّر صورة الهزيمة الاستراتيجية التي لحقت بإسرائيل، وبالنسبة لنا لا شرق أوسط آمنًا بوجود إسرائيل”.
أضاف: “أما للشعوب العربية أقول: لا يكفي أن تخرجوا يوم الجمعة للتنديد، والمطلوب أن تملأوا الشوارع والساحات بطوفان بشري لا سابق له بهدف الضغط على الأنظمة المتخاذلة في سياق نجدة فلسطين، ودون ذلك أنتم شركاء بمذبحة غزة وفلسطين”.
ختم:”أخيراً، للزعامات اللبنانية أقول: بمجرد أن شعر القادة الصهاينة بتهديد مصالحهم الصهيونية سارعوا إلى تشكيل حكومة حرب، ألا يستفزّكم هذا ويدفعكم لتسوية رئاسية تأخذ في الاعتبار عزّة لبنان واقتداره بخاصة أن محافل العالم الكبرى تترقب قوة مقاومة لبنان لما تعنيه على مستوى نسف ميزان الردع، وصورة الشرق الأوسط الجديد؟ لذلك الحلّ فقط بتسوية رئاسية تعكس عزّة لبنان ومصالحه الوطنية بعيداً من زيف الغرب وبطولاته الوهمية. نصر الله مجاهدينا الأبرار وثبت أقدامهم وأعزّ هذه الأمة ومحورها المقاوم”.