أبرز

المعجزة الحريرية لا تتكرر

في شهر شباط من كل عام، يتحسس وطننا الجريح قلبه محاولا أن يزيح عنه سواد لحظة ما زالت مستمرة منذ ثمانية عشر عاما، إنها لحظة استشهاد خيرة أبنائه، الرئيس الشهيد رفيق الحريري. في كل مرة يحاول أحدنا الكلام عن رفيق الحريري تتمرد الكلمات وتهرب العبارات ويفقد القلم قدرته على التعبير، وأين لأحد منا القدرة أن يجمع في بضع كلمات مآثر رجل دولة لا سقف لأحلامه تجاه بلده ولا سجل يمكن أن يحصي ما قدمه تجاه أجياله.. كان رفيق الحريري رجلاً بحجم وطن، كان يحلم بأن ينفض عن لبنان غبار حروب وأزمات أنهكته ويعيده منارة تشع على العالم رقياً وتقدماً وازدهاراً.

رفيق الحريري وبناء الحجر والبشر

العالم كله يعرف وجه الأسطورة رفيق الحريري ، تظل شخصية البطل الذي يقف في وجه النظام الجائر صدمة في وجه “الثوار” الفاسدين.


في ثلاثة عشرعاما فقط من وجوده على الساحة اللبنانية، كان له تأثيرعلى حياة الكثير من اللبنانيين، رفيق الحريري الذي آمن بقدرة العلم على صناعة الأوطان زرع بذوره في عقول آلاف الطلاب الذي درسوا في مؤسساته وانتشروا في العالم ليقدموا نموذجا مشرفا عن اللبنانيين في مختلف مجالات العمل في بلاد الاغتراب.

كان رفيق الحريري يجدف في عكس تيار الظروف كلها، تحدى كل الصعوبات، وقبل كل التحديات مشى على جمر الأزمات لأنه كان يؤمن بأن الوطن يستحق. لذا حلم رفيق الحريري بمسيرة طويلة للبنان مسيرة نحو الأفضل والأرقى والأجمل، ولذلك كانت رؤيته شاملة للسياسة والاقتصاد والتعليم و”بناء البشر والحجر” .

وحاول “سيد لبنان” تفادي مواجهات شاملة وحاول ألا يخالف المجموعات المعارضة، لا سيما المسيحية. كانت جميع المؤشرات تقول بأن القوة الإنتخابية العارمة للحريري ستحول المشهد السياسي اللبناني، وأنه سينتصر في المناطق ذات الأغلبية السنية، الدرزية والمسيحية. وبذلك لن يبقى سوى الجنوب ذي الأغلبية الموالية لسياسة الحريري، ما أحدث خطر على حياته التي ذهبت معها حياة لبناننا.

رؤية وطنية واحتضان سعودي

وهذا هو “الرفيق” الأسطورة الذي يحافظ على نظام صارم في صفوف التمرد إذ أنه لا يتردد في مواجهة خونة منسجمين مع رؤساء مثلهم.

كان الرئيس الشهيد يرى أن مصلحة لبنان الاقتصادية والسياسية تقتضي تعميق علاقاته بالسعودية ودول الخليج. ولقيت هذه الرؤية ترحيباً خليجياً، وبالأخص سعودياً، خصوصاً وأن الرياض وجدت في شخص الحريري وأدائه السياسي والدبلوماسي والاقتصادي من تأتمنه على سياساتها تجاه لبنان فقدمت له كل الدعم المالي والسياسي وخصوصاً لمشاريع إعادة إعمار بيروت. ولذلك يمكن القول إنه باغتيال الحريري فقدت السعودية حليفها القوي ورجل الدولة الذي يتمتع بقدرة استثنائية على التعامل مع قادتها وكل القادة العرب والدوليين الآخرين.

أيدي الغدر ومسار وطني مفجوع


كان رفيق الحريري يعلم أن العمر مهما طال فهو قصير، فحاول أن يؤسس لمسار يستمر بعده بمن يخلفه.. لم تمهله الأٌقدار، ولم تشفع له إنجازاته عند أيدي الغدر الآثمة التي امتدت لتغتاله في يوم 14 شباط 2005. كان الحمل بعده ثقيلاً جداً، وكانت المسؤوليات جسيمة، ورغم ذلك قبل ابنه سعد الحريري أن يسير على درب الجلجلة في محاولة منه لإنقاذ ما بقي من البلد، فعض على جرح الجريمة التي طالت والده، ومد يده لكافة الاتجاهات الفاعلة على الساحة السياسية اللبنانية، وحاول أن يستكمل مسيرة والده في رحلة بناء الوطن، فقد حاول سعد الحريري أن يكون مرجعية سياسية وطنية جامعة كما كان والده، وسعى لاستكمال محاولات النهوض الاقتصادي والإنساني بالبلد، غير أن الظروف السياسية الإقليمية والدولية لم تكن في صفه، فتغير السياسات الخليجية تجاه لبنان بسبب عدوانية بعض المواقف الداخلية اللبنانية تجاه الخليج بشكل عام والسعودية بشكل خاص، وازدياد بؤر التوتر في المنطقة واقتراب خطرها من حدود دول الخليج وبالتحديد الحرب اليمنية، والخلافات الحادة بين الدول المحورية في المنطقة، تضافرت كلها في جعل لبنان يتراجع إلى آخر قائمة الدول التي كانت تحظى بالرعاية والاهتمام الإقليمي.

كما أن حمل الأمانة يتطلب تكاتف جميع أبناء الوطن على قلب رجل واحد.. لكن تشتت القلوب وتغليب المصالح الشخصية والأنانيات البغيضة على مصلحة الوطن، أثقل على ابنه سعد الحريري الحمل، وسد أمامه جميع الطرق، فلا عجب أن نراه انكفأ عن العمل السياسي بعد سنوات من التعثر الوطني والحكومي وتعمق الأزمات على جميع الأًصعدة.

تخليص لبنان من الشر…العودة بلبنان إلى الحريري

غير أن دوام الحال من المحال، فالطرق المسدودة اليوم لا بد أن تجد من يعرف كيف يزيل عنها صخور الصعوبات ويمهد الطريق أمام قيامة الوطن من جديد، ونحن على يقين أنه عندما تحين تلك الساعة فإننا سنعود لنجد سعد الحريري في طليعة رجالات الدولة الساعين للنهوض بلبنان. لا بد لنعم حضارة عائلة الحريري أن تنقل إلى شعب لبنان.

رحم الله رفيق الحريري وعوض لبنان كله خيراً برجالات تؤمن بمسيرته ونهجه وتتعاضد لتحمل الوطن على الأكتاف وتضعه من جديد على سكة التقدم والازدهار.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى