“المشي في صمت” طريقة مثالية للتخلص من التوتر والقلق.
منذ أيام، اختارت ليزا مكارتي، الناشطة في مجال صحة المرأة، أن تضع نتائج تجربتها بين يدي “أكثر من مليار شخص يعانون من الصداع النصفي حول العالم”، وذكرت في مقال بصحيفة “نيوزويك” الأميركية، أنها نجحت أخيرا في التخلص من آلام الصداع التي لازمتها 3 سنوات، بعد خوضها تجربة “المشي في صمت”.
وحققت مكارتي النجاح عندما بدأت البحث عن حلول طبيعية لمشكلتها، بعد فشل ممارسة اليوغا لبضعة أيام في الأسبوع؛ والمشي بضعة أشهر لمسافات قصيرة مع التشاغل بالاستماع إلى الموسيقى أو البودكاست أو كتاب صوتي طوال الوقت؛ في حل مشكلتها.
وفي صيف العام الماضي، وبدافع من حبها للمشي؛ التحقت ماركي باتل، الكاتبة المتخصصة في الصحة العقلية ونمط الحياة، بمجموعة عبر الإنترنت لمواجه تحدي المشي لمدة 45 دقيقة يوميا. لكنها سرعان ما شعرت بالإرهاق، بسبب التضارب بين محاولة استغلال وقت المشي للتنزه والتركيز على الصحة العقلية والابتعاد عن ضغوط العمل؛ وبين الاستماع في الوقت نفسه إلى الكتب الصوتية والبودكاست، وكل ما يمكن أن يُغرق الذهن بالأفكار.
صادفت باتل منشورات عن نساء يمشين في نزهات صامتة للابتعاد عن كل شيء، فتخلصت من سماعات الرأس وبدأت المشي في صمت، لتكتشف بعد أسبوع من المشي في صمت “كم هي تجربة مريحة ومثيرة للحماس” على حد وصفها.
ما المشي في صمت؟
المشي في صمت محاولة لتحقيق أقصى استفادة من التجول بدون أي عوامل لتشتيت الانتباه، “فقط أنت والطبيعة”، وفق تعبير باتل. كما أنه أصبح اتجاها يحظى بشعبية متنامية، كشكل من أشكال التأمل المتحرك، الذي يمكن أن يساعد على تقليل التوتر والقلق، والشعور بمزيد من الاسترخاء والثبات واليقظة؛ “وطريقة مثالية لأخذ استراحة من طوفان المعلومات التي تتدفق باستمرار من المكالمات الهاتفية، ورسائل البريد الإلكتروني وتنبيهات مواقع التواصل؛ وسماعات الأذن، وقوائم الموسيقى”، كما تقول دينيس شاكويان، المدربة الشخصية المعتمدة.
فوائد المشي في صمت
- مفيد جدا للصحة العقلية؛ حيث أشارت دراسة لجامعة ميشيغان عام 2014، إلى أن هذا النوع من المشي “يُعد طريقة أفضل للاسترخاء بعد ضغوط اليوم، مقارنة بطريقة الجلوس بهدوء وأعيننا مغلقة”. كما يعزز مشاعر الرفاهية، ويوفر نوما أفضل، ويساعد على أن نكون حاضرين وأكثر تركيزا على الأحداث من حولنا.
- يُخفض ضغط الدم ومعدل ضربات القلب، وفقا لدراسة ميشيغان أيضا.
- يُخفف الألم، فبعد إصابتها بنوبة صداع نصفي شديد، لاحظت ليزا مكارتي تغيرا ملموسا أثناء المشي في صمت؛ “حيث بدأ الألم يتبدد، والغثيان يخف، وبدأت الحساسية للضوء والصوت تقل”، وعلقت مكارتي قائلة “لقد كان الصمت في مشيي هو الشيء الوحيد الذي ساعد في تراجع ضغوطي وهمومي وآلامي وإطفاء الضجيج في رأسي، حتى تمكنت من تقليل الصداع النصفي والقضاء عليه تقريبا، فلم يعد مشكلة مزمنة كل شهر، وتغيرت حياتي للأفضل”.
- يُقلل التوتر، حيث ذكر دكتور رأفت جرجس، الطبيب النفسي المعتمد بولاية كاليفورنيا، لموقع محطة “فوكس نيوز” الأميركية؛ أنه يعتبر المشي في صمت “وصفة لحجب ضجيج العالم وتأملا فريدا يمكن أن يُحقق فوائد عديدة في أقل من 10 دقائق”؛ كما يتعلم المشاركون فيه “كيفية الحد من التوتر في المجالات المثيرة للقلق، من العمل والأسرة إلى الضغوط المالية، وحتى أخبار التطورات العالمية”.
- يُحَسّن المزاج، يقول جرجس أيضا، إن المشي في صمت يمكن أن يُحَسّن المزاج “من خلال الجمع بين حركة الجسم والتعرض للطبيعة، مما يسمح للدماغ بإفراز هرمون الإندورفين بشكل طبيعي؛ وبالتالي إزالة الضغوط واستبدالها بالتفكير الهادئ، لتصفية العقل وجعل أفكارنا أكثر تنظيما وإيجابية”. كما أظهرت الأبحاث أن “التواصل مع الطبيعة، يقلل من هرمون التوتر (الكورتيزول) وضغط الدم، ويهدئ مزاجنا، ويزيد من الشعور بالرفاهية”.
- يُعزز اليقظة الذهنية، فقد أشار جرجس إلى أن المشي في صمت “يمكن أن يساعد في تعزيز اليقظة الذهنية، من خلال الابتعاد عن الضوضاء و”ينمي شعورا بالوعي والتواصل مع البيئة، ويعزز الوضوح العقلي ويقلل من الاجترار أو الأفكار السلبية”، مما يسمح للعقل والجسم بالتركيز على اللحظة الحالية، “مع الحفاظ على اليقظة والحد من التفكير المفرط والمتكرر الذي يمكن أن يسبب التوتر والقلق”.
كيفية تطبيق المشي في صمت
ارتبط المشي في صمت بممارسات التأمل الواعي، فقد ذكر موقع “هافبوست” الأميركي أن ممارسة التأمل أثناء المشي “تسمح للعقل الهادئ والمركّز بأن يصبح جزءا لا يتجزأ من حياتك، سواء كنت تمشي في مكتبك، أو في الحي الذي تسكن فيه بعد العشاء، أو من أجل تحسين اللياقة البدنية”.
ولممارسة هذا المشي بطريقة صحيحة تُحقق الاستفادة المرجوة منه، تقول باتل “فقط اذهب في نزهة على الأقدام، واختر طريقا، ولا تتحدث إلى أي شخص أو تستمع إلى أي شيء”.
أما الباحثون في جامعة ميشيغان، فيؤكدون على أهمية “التنفس بعمق وانتظام، والتأمل وإدراك كل خطوة وكل نفس، لتحقيق المشي الواعي في أي مكان”؛ سواء في الطبيعة أو مع آخرين، أو في المكتب بين اجتماعات العمل، أو في ساحة انتظار السيارات في السوبر ماركت. وذلك من خلال “البدء بالمشي بشكل أبطأ من المعتاد لمدة 5 دقائق تقريبا، مع تركيز النظر إلى الإمام حيث النقطة التي تخطو نحوها قدميك”، مع ملاحظة الإحساس بهما عندما يلامسان الأرض؛ حتى تصل إلى الوتيرة المريحة لك. ثم “حَوّل انتباهك عن جسمك، وتأمل العالم من حولك، واشعر بدرجة الحرارة واتجاه الريح وتغير الأرض تحت قدميك”، وكلما قفزت إلى ذهنك فكرة، “اقبلها واعترف بها، ثم اتركها بدون أن تستغرق فيها”؛ كما يمكنك التوقف عن المشي وقتما شئت.
وتقول عالمة النفس البريطانية، ميغ أرول “احرص على المشي صباحا ولا تأخذ معك جهازا، ولاحظ المشاهد والروائح والأحاسيس الجسدية أثناء تجوالك لإسكات عقلك”.