رأي

المشاريع الصغيرة إلهاء وإهدار للمال العام!

في أواخر الاربعينيات والخمسينيات حتى ستينيات القرن الماضي كان الكثير من ابناء تلك الحقبة يمارسون البيع في الاسواق والفرجان، وهو بمثابة المشاريع الصغيرة حالياً.
كنت تسير في سوق الخضار او الشارع الجديد، شارع عبدالله السالم حالياً، حيث ترى شبابا او دون ذلك يقفون وسط تلك الاسواق، ويصيح كل على بضاعته، اقلام حبر، جوارب، فناجين قهوة وكاسات ماء.
او تجدهم يطوفون السكيك بالفرجان يحملون بضاعتهم، هي بمثابة حلويات وشيكولاتة او “بريد” (آيسكريم صناعة منزلية).
هؤلاء الشباب لم يكونوا فاشلين في الدراسة، بل كانوا يلتزمون المدرسة، وبعضهم يتفوق على زملائه، والكثير منهم اكمل دراسته الجامعية، وانخرط في المناصب العليا.
شباب ذلك العصر كانوا امتداداً لجيل ابائهم واجدادهم، ولم يستنكفوا، مثل الاجيال الاخيرة، من العمل مع ابائهم او منفردين، ونستطيع ان نسميهم جيل الكفاح من اجل العيش الكريم من دون الاعتماد على الاباء، او معونات مالية من الحكومة.
هل نقول إن النفط افسد الكويتيين، او ديمقراطيتنا العرجاء افسدتهم؟ كل ذلك يصح، وايضاً لا يصح، لكن ابرز الامور ان الوضع منذ عقد ستينيات القرن الماضي، حدثت نقلة في العقل الكويتي، كانت بمثابة صدمة، فوجد المواطن نفسه انه لا ينبغي جلوسه امام بسطته في السوق السمك، او سوق الخضرة مثلاً، ويكون هو رب العمل والصبي البياع!
ربما زحفت افواج القادمين الاجانب الى سوق العمل وقد اصبحوا بديلاً عن ارباب الاعمال، وصار “المعزب” كل شغله يتمدد على الكرسي الجلد و”يفرفر مسباحه”، ويمسح على كرشه.
منذ ذلك الوقت، اصاب الكويتيون مرض الترف والكسل، وصار الوافد هو الكل بالكل، بل بعض الكويتيين، رغم كفاءتهم، فقدوا الثقة بانفسهم، وكان لا يغامر بمشروع من دون مساعدة شريك وافد، والكلام في هذا يطول، لكن علينا ان نبكي على زمن جميل خسرناه، وتركنا “الخيط والمخيط” بيد الوافد واكتفينا بالجلوس في الديوانية والسفر والربادة.
دعونا من الفلسفة والتنظير، واذا ليس هناك وقتلهما، ونقول بيدنا افسدنا وطننا، وذواتنا، وبيدنا نستطيع ان نعيد الوعي لعقولنا، وكان يمكن ان نكون امتداداً للاباء المكافحين، لكن هذا ليس مستحيلاً، اذ لا يزال الزمن بيدنا، فنحن الزمن والمكان، ونحن الهمم المهدورة.
منذ خمسينيات القرن الماضي والى اليوم تضاعف عدد الكويتيين من 120 الفا الى مليون و500 الف، والعداد يتزايد، والمتوقع مع احلال 2050 أن يصل عدد الكويتيين المواطنين الى ثلاثين مليونا، وعليك ان تتخيل الصورة التي ستبدو عليها البلاد، مساحة ارض محدودة، واقتصاد احادي مع تدفق الشباب من الجامعات، وبطالة مستفحلة، ولا تجد الحكومة سبيلاً لحل المعضلة، فهل من حل؟
الان تفتق ذهن الحكومة على توجيه الشباب العاطلين الى حيلة غبية هي لعبة “المشاريع الصغيرة”، تصور معي هذه اللعبة، الشاب يستخرج ترخيص مشروع صغير “شنو” هذا المشروع مش مهم، المهم ان صاحب المشروع ينطم ويستلم بدل عمالة، الذي يعادل راتب موظف درجة الخامسة، وينام ويسافر ويخيم في البر، المهم لا يزن على رأس الحكومة.
وهذا الاخ العاطل الذي استحوذ على ترخيص عمل لا يصدق نفسه، يستعين بالعمالة الوافدة مش مهم الخبرة، لان الحكومة لم تشترطها، وفي النهاية لا الشاب نجح في مشروعه، ولا هناك بيع حقيقي، ولا السوق الكويتي بحاجة، او لا يستوعب مثل هذه المشاريع الصغيرة، ولا هناك زبائن لتلك البسطات، فقد هو مجرد هدر مال واسكات الاصوات العالية، وكأن اموال الدولة مال حرام، الحكومة تتحمل وزر اخطائها وعليها ان تراجع جميع تلك الاوزار القاتلة، نرجو مع اعلان الحكومة الجديدة، ان تراجع كل تلك الخطط الفاشلة، والبليدة مع توجيه الشباب العاطلين لاعمال نافعة وجادة.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى