المركزي التركي في محاولة لاحتواء اضطرابات السوق

في خطوة استثنائية، عقد المصرف المركزي التركي اجتماعًا طارئًا مع المصارف التجارية يوم أمس، بهدف مواجهة الاضطرابات المتزايدة في الأسواق المالية التركية، والتي تزامنت مع توقيف رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، بتهم فساد. هذه الأزمة تأتي في وقت حرج يواجهه الاقتصاد التركي الذي يعاني من عدة تحديات، مما دفع الحكومة والمصرف المركزي إلى اتخاذ تدابير فورية لاحتواء هذه التقلبات وتحقيق الاستقرار المالي.
تعود جذور الاضطرابات الأخيرة في الأسواق التركية إلى عدة عوامل معقدة، من أبرزها الأزمة السياسية المتصاعدة التي تُضاف إلى المشهد الاقتصادي المتقلب بالفعل. فقد شكل توقيف إمام أوغلو، الذي يُعتبر من الشخصيات البارزة في المعارضة التركية، صدمة في الشارع التركي وأدى إلى زيادة القلق بين المستثمرين المحليين والدوليين. هذا المزيج بين الضغوط السياسية والاقتصادية جعل من الصعب الحفاظ على استقرار الأسواق.
في ظل هذا الوضع، عمد المصرف المركزي التركي إلى رفع سعر الفائدة على الإقراض لليلة واحدة بمقدار 200 نقطة أساس، ليصل إلى 46%، وهي خطوة غير اعتيادية تهدف إلى ضبط التضخم وكبح التراجع في قيمة الليرة التركية. من خلال هذه الزيادة في الفائدة، يحاول المصرف المركزي الحد من الضغوط التضخمية واحتواء تقلبات السوق. ولكن، يبقى التساؤل عن مدى فعالية هذا الإجراء في وقت لا تزال فيه الأزمة السياسية تتفاعل مع الوضع الاقتصادي.
وفي خطوة موازية، علّق المصرف المركزي الإقراض عند السعر المرجعي الأدنى البالغ 42.5% لفترة غير محددة، مما يعكس استجابة فورية لاحتواء الفائض النقدي في الأسواق، وهو ما يُعتبر إجراءً تقليديًا في مثل هذه الظروف. كما أعلن عن أول مزاد لسندات السيولة لأجل 91 يومًا منذ نحو عقدين، وهي خطوة تهدف إلى امتصاص فائض الليرة الذي قد يؤدي إلى مزيد من التضخم.
هذه الإجراءات تكشف عن محاولات المصرف المركزي التركي للحفاظ على استقرار الليرة وتوجيه الاقتصاد نحو الاستقرار على المدى المتوسط، ولكنها تثير في الوقت نفسه العديد من الأسئلة حول قدرة السياسة النقدية على التعامل مع الأزمات السياسية والأمنية التي تؤثر على الأسواق بشكل متزايد.
من جهة أخرى، أكد وزير الخزانة والمالية، محمد شيمشك، خلال لقائه مع البنوك، أن الحكومة مستعدة لاستخدام كافة أدواتها لمواجهة ما وصفه بتقلب مؤقت في الأسواق. عكس هذا التصريح نوعًا من الإطمئنان من جانب الحكومة، إلا أن الطبيعة السياسية للأزمة تجعل من الصعب التنبؤ بتداعياتها على المدى الطويل. فهل ستنجح الحكومة في منع تصعيد الأزمة السياسية من التأثير على الأسواق؟ وكيف ستؤثر هذه التطورات على ثقة المستثمرين في الاقتصاد التركي؟
يمكن اعتبار الإجراءات التي اتخذها المصرف المركزي التركي خطوة ضرورية للحفاظ على استقرار الاقتصاد في الوقت الحالي، ولكن هل هي كافية لمعالجة الأزمات العميقة التي تواجهها البلاد وهل يمكن للسياسة النقدية أن تفصل نفسها عن التداعيات السياسية؟
كما تُطرح التساؤلات عن امكانية ان تستعيد تركيا الثقة في أسواقها في ظل هذه الأوضاع المعقدة، هذه الأسئلة تفتح الباب لمزيد من النقاش حول فعالية السياسات الاقتصادية في ظل الأزمات السياسية الحادة.
المرحلة المقبلة ستكون حاسمة بالنسبة لتركيا، حيث سيحتاج الاقتصاد إلى تحقيق توازن بين الاستقرار السياسي والنقدي في ظل ترقب البلاد امكانية اجتياز هذه الفترة العصيبة و الخوف من ان تبقى الأزمات السياسية تعرقل مسيرة التعافي الاقتصادي.