المرحلة القائمة.. ثوابت وقيم
![](https://raiseyasi.com/wp-content/uploads/2023/12/246659-1-780x470.jpg)
كتب د. محمد حسين الدلال في صحيفة القبس.
وصفت في أكتوبر الماضي بمقال لي في جريدة القبس، بعنوان «مخاض محلي وخارجي»، الوضع السياسي الكويتي بأنه في مرحلة مخاض، وبأننا في الكويت نمر بمرحلة انتقالية، الغالب فيها عدم الاستقرار السياسي، ولعل مجريات أحداث الأسابيع الأخيرة تعكس بوضوح طبيعة عدم الاستقرار والربكة السياسية، وحضور التساؤل عند الجميع في مآلات الأمور. المرحلة الحالية، التي كشفت عن أجواء صراع قائم ومحتدم أحياناً على السلطة والنفوذ، ليست بجديدة، فقد مرت الساحة الكويتية عبر عقود من الزمان بحالات سابقة وأوضاع مماثلة، كان الصراع فيها على السلطة والنفوذ، وأحياناً المال أكثر شراسة، ولكنها على الرغم من ذلك مرت بحمدالله بسلام، وانتهت الى نتائج كانت مقبولة في حينها من جميع الأطراف، وفي اعتقادي أن الأسس التي ساهمت في تجاوز سلبيات الصراع على السلطة والنفوذ قامت على عدد من الثوابت والقيم، التي من الأهمية استحضارها حين التعامل الرسمي أو الشعبي مع المرحلة الحالية وما يشوبها من صراعات واختلافات قائمة. أول تلك الثوابت والقيم المهمة والأساسية، التي تمسك بها أهل الكويت، حكاماً ومحكومين، وكانت بعد الله ضماناً لهم لتجاوز المحن والعقبات، هو تمسكهم بالدستور وحكم القانون في التعامل مع الأحداث والمواقف والأشخاص، فكل من الدستور والقانون كفلا التصدي والمعالجة بشكل واضح وحاسم للخلاف المرتبط بطبيعة الخلافات القائمة في الحالة السياسية القائمة، ويكون دور أهل الكويت في هذه المرحلة دعوة أطراف الخلاف الى تفعيل النصوص الدستورية والقانونية، التي من شأنها حسم الخلاف القائم. ثاني تلك الثوابت والقيم النهج الذي تبناه أهل الكويت، هو الابتعاد عن الاصطفاف لأي من أطراف الصراع والخلاف، وأن الاصطفاف المحمود يكون مع كل من سمو أمير البلاد وسمو ولي العهد حفظهما الله، وفقاً لما توجهه النصوص والآليات الدستورية والقانونية، ويتطلب التنبيه إلى أن الاصطفاف السياسي، الذي لا تحكمه نصوص الدستور والقانون لأي من أطراف الصراع، من شأنه أن يساهم بصورة أكبر في صب مزيد من الزيت على النار، ويجعل الخلاف أكثر احتداماً، وأكثر ضرراً على الجميع. ثالث تلك الثوابت والقيم التثبت والتبين من الإشاعات والأخبار المتداولة بشأن خلافات قائمة أو صراعات جارية، أو مواقف متخذة من أطراف الخلاف والصراع، أو مرتبطة بشأنهم، فالأصل المنهجي في التعامل مع تلك الأخبار والإشاعات التبين والتثبت، قال تعالى: «فَتَبَيَّنُوا»، وتقع على الجهات المسؤولة في الدولة، وعلى الأخص الحكومة ومجلس الأمة، مهمة التعامل الحكيم مع الإشاعات والأخبار المتداولة بالتبين والتثبت إبتداءً، ومن ثم الرد والتوضيح ونشر الأخبار الصحيحة، التي لا تجعل للإشاعات أو الأخبار المضللة فرصة للانتشار أو التأثير السلبي على المجتمع. رابع تلك الثوابت والقيم تفعيل آليات التشاور الدستورية والقانونية والاجتماعية، التي كفلها الدستور، وجبل عليها الشعب الكويتي، فنحن هنا لا ندعو الى السلبية المطلقة اتجاه أحداث ومتغيرات المرحلة الحالية، وإنما ندعو الى مشاركة إيجابية اعتاد عليها الشعب الكويتي، حكاماً ومحكومين، تأصلت عبر الزمن في وجدان وممارسات الشعب الكويتي منذ بداية نشأة الكويت، والتشاور يتم مع أعضاء السلطات الدستورية والنخب والمجاميع والشخصيات المؤثرة، بهدف الوصول الى بر الأمان، وتعزيز الرشد في القرار، ومعالجة أية سلبيات متعلقة بالأحداث والمتغيرات وأجواء الخلاف في المرحلة الحالية، قال تعالى: «وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ».