المخطّط المزعوم في المكسيك | أميركا وإسرائيل لإيران: المواجهة… في النصف الغربي أيضاً

كتب محمد خواجوئي, في الأخبار:
تُروّج واشنطن وتل أبيب لرواية «التهديد الإيراني» في أميركا اللاتينية لتوسيع المواجهة مع طهران وتبرير حضور أمني غربي في المنطقة.
| تحوّلت أميركا اللاتينية إلى مسرح جديد لإبراز ما يسمّى «التهديد الإيراني»، حيث تسعى واشنطن وتل أبيب، عبر إثارة مزاعم أمنيّة إلى الانتقال بـ«رواية التخويف» من الشرق الأوسط، إلى نصف الكرة الغربي، وإعادة رسم صورة عن إيران، بوصفها «تهديداً عابراً للحدود». وبدأت هذه القصة مع تداول وسائل إعلام أميركية وإسرائيلية، الجمعة الماضي، أنباء عن مخطّط لـ«الحرس الثوري» الإيراني، لاغتيال سفيرة إسرائيل لدى المكسيك، إينات كرانز نيغر، تمّ إحباطه الصيف الماضي. وفي هذا الجانب، نقل موقع «أكسيوس» الإخباري عن مسؤولين أميركيين، قولهم إنّ«المخطّط وُضع من قِبَل الوحدة 11000 في قوّة القدس، التابعة للحرس الثوري»، التي قيل، في الأشهر الأخيرة، إنها كانت تسعى إلى «مهاجمة أهداف إسرائيلية ويهودية في أوروبا وأستراليا». ووفقاً للموقع، فإنّ المسؤول عن تنفيذ المخطّط كان واحداً من منتسبي الوحدة المذكورة، وقد عمل لسنوات في السفارة الإيرانية لدى فنزويلا، في تجنيد وتوجيه قوات إيرانية في أنحاء أميركا اللاتينية، قبل أن يعود إلى طهران.
في المقابل، نفت السفارة الإيرانية لدى المكسيك، في منشور عبر منصّة «إكس»، أول أمس، التقرير، واعتبرته «افتراءات إعلامية وكذبة كبيرة هدفها الإضرار بالعلاقات الودّية والتاريخية بين البلدَين الكبيرَين، المكسيك وإيران». وأضافت أنّ «أمن وسمعة المكسيك، من أمن وسمعة إيران أيضاً. لن نخون أبداً الثقة التي أَولتنا إيّاها الحكومة المكسيكية». ومن جهته، علّق مندوب إيران الدائم لدى الأمم المتحدة، سعيد إيرواني، على الموضوع، قائلاً: «إنها مزاعم مهترئة ولا تستحقّ الردّ».
وكانت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، أفادت، نقلاً عن مسؤولين مكسيكيين، بأنّ سلطات هذا البلد لا علمَ لها بالمخطّط أو بإحباطه. كما أعلنت وزارتا الأمن والخارجية المكسيكيتان، في بيان مشترك، أنهما «لم تتلقّيا أيّ تقارير» حول المحاولات الرامية إلى اغتيال السفيرة الإسرائيلية، في حين امتنع الناطق باسم السفارة الإسرائيلية، عن التعليق على موقف المكسيك.
وبدورهم، أكّد مسؤولون أميركيون، في تصريحات إلى وكالَتي «فرانس برس» و«رويترز»، أنّ «هذا المخطّط أُحبط ولم يَعُد يشكّل تهديداً في الوقت الحاضر»، من دون تقديم أدلّة مفصّلة أو توضيح لكيفية إحباط المخطّط المزعوم. وقال مسؤول أميركي، لـ«رويترز»: «هذه أحدث حلقة في سلسلة طويلة من الاستهداف الإيراني العالمي المميت للديبلوماسيين والصحافيين والمعارضين وأيّ شخص لا يتّفق معهم، وهو أمر ينبغي أن يثير قلق كل دولة فيها وجود إيراني». أمّا الناطق باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، أورن مارموشتاين، فقد شكر الأجهزة الأمنية المكسيكية، على ما سمّاه «إحباطها المخطّط الإيراني»، قائلاً إنّ «المجتمع الاستخباري والأمني الإسرائيلي، سيواصل بالتعاون الوثيق مع المؤسسات الأمنية في العالم، جهوده لمواجهة تهديدات إيران ووكلائها ضدّ الأهداف الإسرائيلية واليهودية».
وسبق أن حذّرت السلطات الاستخبارية الأميركية، من أنه لدى إيران، شبكات لتنفيذ عمليات خارج الحدود في أميركا اللاتينية، وأنّ طهران، تستخدم الأراضي الفنزويلية كقاعدة لوجستية. وتندرج المزاعم الأميركية والإسرائيلية حول ضلوع إيران في اغتيال السفيرة الإسرائيلية لدى المكسيك، في إطار نهج دعائي متنامٍ لإبراز دور طهران الإقليمي في «الجغرافيا النائية». وعلى مدى العامَين الماضيَين، سعت المحافل الغربية والإسرائيلية إلى إثارة ملفات مزعومة تصوَّر فيها إيران على أنها تخطّت كونها لاعباً في منطقة غرب آسيا، لتتحوّل إلى تهديد عالمي. وهذا التوجّه، يمثّل جزءاً من إرهاصات ما بعد حرب غزة، إذ تسعى إسرائيل وحلفاؤها إلى توسيع نطاق المواجهة مع الجمهورية الإسلامية، من حدود الشرق الأوسط إلى الساحات غير التقليدية.
ولم يأتِ اختيار أميركا اللاتينية في هذا التوقيت بالذات، مصادفة؛ فمن وجهة نظر أميركا، تحوّلت هذه المنطقة إلى ساحة جديدة للتنافس الجيوسياسي، وذلك على خلفية النفوذ الصيني المتنامي والعلاقات الفنية والسياسية لبعض الدول مع إيران. وفي المقابل، تسعى إسرائيل، في ضوء تضخيم مخطّطات إرهابية مزعومة، إلى استقطاب الدعم السياسي والأمني من دول المنطقة، تمهيداً لتعزيز وجودها الأمني هناك. ومن هنا، يمكن اعتبار سردية الاغتيال في المكسيكك، جزءاً من المحاولات الرامية إلى تجديد مشروع «التحالف المناهض لإيران»، في نصف الكرة الغربي.
في المقابل، سعت إيران، على مدى العقدَين الماضيين، إلى ترسيخ التعاون الاقتصادي والتكنولوجي مع بلدان من مِثل فنزويلا وبوليفيا ونيكاراغوا، في حين يمكّن التّهم الأمنية الجديدة أن تشكّل ذريعة لتقويض هذه العلاقات على مستويات البنوك والنقل والتعاون في قطاع الطاقة. ولعلّ الرسالة الأميركية من وراء إثارة التّهم غير الموثّقة، واضحة بتحذير بلدان المنطقة من «أثمان التعاطي مع طهران»، وتعزيز مناخ الخوف والتردّد، بما يفيد في إبطاء وتيرة تشكُّل معسكرات متماثلة التوجّه مع محور الشرق وإيران.
وبغضّ النظر عن صحّة مزاعم الاغتيال من عدمها، إلا أنها تمثّل جزءاً من حرب الروايات ضدّ إيران، والتي انتقلت من كونها أداة أمنية، إلى الساحة الإعلامية والسياسية العابرة للقارات؛ علماً أنّ هذا الصنف من الموضوعات الإخبارية مصمّم ليس من أجل إثبات أمر حدث فعلاً، بل بغرض تثبيت صورة عن الجمهورية الإسلامية لدى الرأي العام العالمي، على أنها لاعب لا يمكن التنبّؤ بتصرّفاته. أمّا استمرار هكذا مسار، لا سيّما في أميركا اللاتينية، فقد يؤشّر إلى أنّ الغرب بات يحتلّ موقعاً جديداً في الهندسة الإدراكية العالمية، حيث أصبحت «رواية التهديد الإيراني» عابرة لحدود الشرق الأوسط، بل وتحوّلت إلى أداة للضغط الجيوسياسي في العالم.




