لينا الحصري زيلع
خاص رأي سياسي
التصدي لآفة المخدرات تعتبر مسألة فائقة الدقة، كونها معقدة ومتشابكة على المستويين الدولي والمحلي، باعتبارها من الظواهر الاجرامية العابرة للحدود، الامر الذي يستوجب على المستوى الدولي تعاونا بين الأجهزة في كل من دول الإنتاج والعبور والاستهلاك. اما على المستوى المحلي فيقتضي أيضا تعاونا وتشاركا واسعا ما بين أجهزة إنفاذ القانون، بحيث يكون التصدي شاملا لعمليات الإنتاج والاتجار والتعاطي.
وبحسب ما تشير المعلومات فان لبنان إضافة الى انتاجه للقنب الهندي الذي تصنع منه مادة حشيشة الكيف ومشتقاتها، بات حديثا منتجا أيضا للكبتاغون ، كما يعتبر دولة تصدير الى دول الخليج العربي وأوروبا وإفريقيا، وبالوقت عينه دولة عبور لما يصنع في سوريا، كما انه بات مقصدا لاستهلاك مادتي الهيرويين المهرب اليه من أفغانستان عبر بعض الدول المجاورة، والكوكايين الذي يهرب الى الأراضي اللبنانية من دول أميركا الجنوبية المنتجة لهذه المادة ومنها الى سوريا والتي تعتمد كدولة عبور للكوكايين والهيرويين المهرب الى لبنان.
وحول هذا الموضوع يقول رئيس مكتب المخدرات الأسبق في قوى الامن الداخلي العميد عادل مشموشي لموقع “رأي سياسي” عن كيفية تعامل القوى الأمنية مع ملف المخدرات ورصد المهربين والتعامل مع المتعاطين :” رغم ما ينشر من اخبار حول ضبط بعض الكميات من حبوب الكبتاغون الا ان الدولة اللبنانية مقصرة تقصيرا فاضحا في تصديها لآفة المخدرات، لذلك لا بد لها من العمل على منع انتاج المخدرات، لا سيما مكافحة الزراعات غير المشروعة من خلال العودة لاجراء عمليات التلف على نحو جاد ومنظم، خصوصا بعد ان كانت سجلت إنجازات على هذا الصعيد وتحديدا ما بين عامي ٢٠٠٥ و، و٢٠١٣ ، بحيث أدت عمليات التلف حينها إلى تخفيض المساحات التي تزرع بالقنب الهندي مما يزيد عن ٢٥٠ الف دنم الى قرابة ١١ الف دنم، وكان يفترض المضي قدما بعملية التلف لقطع دابر هذه الظاهرة واقتلاع هذه الثقافة المنحرفة بتحول الضالعين فيها من الاعتماد على دخل غير مشروع لموارد عيش مشروعة.”
وشدد مشموشي الى ضرورة التصدي لعمليات التصنيع بتفعيل عمليات التقصي المسبق عن المختبرات التي تستعمل لتصنيع الكبتاغون والأماكن التي تصنع فيها الحشيشة واولئك الضالعين فيها، وهذا ما يعرف بالأمن الوقائي، والذي يقوم على جمع المعلومات ومن ثم يصار إلى التدخل الأمني عند الحاجة لضبط المختبرات والمواد الأولية التي تدخل في تصنيعها والتدقيق في كميات المواد المستوردة وكيفية استغلالها، للحؤول دون وصول كميات كبيرة منها لمصنعي المواد المخدرة، مما يستدعي تعاونا ما بين الشركات المستوردة للمواد الكيماوية و جهاز الجمارك ومكتب مكافحة المخدرات الذي ينبغي تفعيل دوره من خلال تعزيزه بالعناصر الكفوءة والتجهيزات اللازمة، إضافة الى انشاء مكاتب فرعية له على مختلف منافذ العبور الرسمية، ليتمكن من التدقيق بمستندات الشحنات ووجهتها ، والجهات التي تتلطى خلف بعض الشركات الوهمية، تمهيدا لكشف الشبكات الاجرامية التي تعنى بالتهريب من والى لبنان.
مشيرا الى ضرورة قيام تعاون دولي بين لبنان ودول المصدر ودول المقصد لجهة تبادل المعلومات، من اجل كشف الشبكات الاجرامية وعدم الاكتفاء بضبط الشحنات المشبوهة بل بكشف الشبكات الضالعة بذلك وتوقيف أفرادها.
وحول كيفية مكافحة ظاهرة الإدمان من قبل القوى الأمنية، يعتبر العميد مشموشي انه لا بد من تفعيل التوعية من خلال تعاون وثيق ما بين مكتب مكافحة المخدرات والجمعيات الاهلية والمؤسسات التي تعنى بالتوعية وعلاج المدمنين، وكذلك الامر مع وزارتي التربية والشؤون الاجتماعية، لإعداد فريق متخصص لنشر الثقافة حول مخاطر المخدرات في المدارس والجامعات، وارشاد العائلات على كيفية التعامل مع الشخص المدمن في الاسرة، مشددا على ضرورة انشاء مراكز تعنى بالعلاج من الإدمان.
حواط
من ناحيته يكشف احمد مؤسسي ورئيس جمعية شبيبة ضد المخدرات جوزيف حواط لموقعنا بان المعدل الوسطي لأعمار المتعاطين اصبح بحدود 16 او 17 سنة، مع ارتفاع في نسبة تعاطي الفتيات بين 20% الى 23% بعدما كان بين 2% الى 4%، منذ قرابة الأربع سنوات مما يعتبر بانه امر خطير ومخيف، خصوصا اننا في مجتمع شرقي ويقع على كاهل النساء مهمة تربية الأجيال لأن المرأة تمثل الركن الأساسي في العائلة والمجتمع، فبعد ان كان تعاطي النساء محدودا ومحصورا في من يعملن في زراعة الحشيش، نشهد اليوم ضلوعا لنساء في التعاطي والاتجار وترويج وصناعة المخدرات ما يؤكد خطورة الوضع.
وحول نسبة المتعاطين في لبنان يشير حواط الى أن لا ارقام واضحة حاليا ، خصوصا ان الدراسة الأخيرة وضعت في العام 2000 ولم تكن دقيقة حينها، ولكنها أظهرت ان هناك ما بين 40% الى 60% من طلاب الجامعات في لبنان قاموا باختبار تعاطي المخدرات، علما ان من يقوم بتجربة التعاطي يصبح مشروع متعاطي، ولكن حسب مشاهداتنا فان ارقام المتعاطين ارتفعت كثيرا بعد جائحة كورونا ولكنها عادت الى الانخفاض بشكل نسبي .
وحول المستوى الاجتماعي للمتعاطين يشير حواط الى ان الميسورين ماديا يميلون إلى تعاطي مادة الكوكايين، بينما الفقراء يتعاطون الكبتاغون كونه رخيص الثمن بحيث يبلغ سعر الحبة 20 الف ليرة، علما ان تكلفتها اعلى من سعرها مما يعني ان هناك أمور مدروسة لتخدير الشباب، نتيجة التفكك الاسري والبعد عن القيم الدينية والأخلاقية.
وعن كيفية توجه المدمنين الى مراكز العلاج، اشار حواط الى أنه يحصل اما من خلال تحويلهم من المحكمة، او نتيجة ضغوطات عائلية التي معظم الأحيان تكون النتائج غير مرضية، لكون التعافي من الإدمان أمر صعب جدا ويحتاج الى 18 شهرا كحد ادنى، كما الى ارادة قوية، وقبل كل ذلك لمراكز علاجية كفؤة، وحسب الإحصاءات فان ما بين 100 مدمن يشفى 6% فقط وهذه نسبة ضئيلة جدا. ولفت الى ان الجمعية تركز على التوعية والتدريب للمحافظة على الأشخاص الذين لا يتعاطون، من خلال متحف تعليمي تدريبي، ورياضة ضد المخدرات تعمل على برامج ضد الإدمان، كما ان هناك نادي للأطفال للتوعية والتدريب.
وأخيرا طالب حواط الدولة بتعزيز القوى الأمنية لتتمكن من محاربة هذه الآفة المدمرة، مستشهدا بالمثل القائل: “اذا اردت ان تقضي على التاريخ خدر شباب الامة”، ناصحا العائلات للتنبه الى سلوك أولادها ومراقبتهم، وقال: “ان ما نراه لا يبشر بالخير وقد نصل الى الاسوء” إن لم نتدارك الأمر.