المجلس الوزاري الخليجي… وضع النقاط على الحروف
جاء في مقال للكاتب داود الفرحان في صحيفة “الشرق الأوسط”:
كان بيان مجلس التعاون الخليجي الأخير قوياً وصريحاً في تناوله قضايا حيوية، في مقدمتها جهود المملكة العربية السعودية لإعادة إحياء «مبادرة السلام العربية» وتعزيز العمل الخليجي المشترك في إطار مجلس التعاون.
ولم يتردد المجلس في إدانة الأعمال الإرهابية والتأكيد على أهمية التنسيق الدولي والإقليمي لمواجهة الجماعات الإرهابية والميليشيات الطائفية التي تهدد الأمن والاستقرار.
وبعد سنوات ليست قليلة من التجاهل أو الصمت عن الاحتلال الإيراني للجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، أكد المجلس رفض الاحتلال الإيراني ودعم الإمارات في سيادتها على جزرها الثلاث ومياهها الإقليمية وأجوائها الشرعية والجرف القاري والمنطقة الاقتصادية باعتبارها جزءاً لا يتجرأ من أراضي دولة الإمارات العربية المتحدة، كذلك اعتبار أي ممارسات أو أعمال تقوم بها إيران في الجزر الثلاث باطلة وملغاة وليست ذات أثر على حق سيادة دولة الإمارات على جزرها التاريخية.
وقد دعا المجلس طهران إلى الاستجابة لمساعي الإمارات عن طريق المفاوضات المباشرة أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي. لقد كانت طهران تخدع نفسها في الظن أن السنوات الطويلة يمكن أن تكون مدعاة للنسيان لدى الإمارات وترسيخاً لاختطاف الجزر.
وفي فقرة مهمة جداً، أكد المجلس الوزاري موقفه ودعمه سيادة الشعب الفلسطيني في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ يونيو (حزيران) 1967، وتأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان حقوق اللاجئين وفق مبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية، مؤكداً ضرورة مضاعفة جهود المجتمع الدولي لحل الصراع بما يلبي جميع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، مشيداً بالجهود التي تبذلها السعودية والاتحاد الأوروبي لإعادة إحياء مبادرة السلام العربية. كما أدان المجلس الانتهاكات الإسرائيلية ودعا إلى التصدي لها والاقتحامات المتكررة من قِبل المسؤولين في السلطة الإسرائيلية في خرق واضح للقانون الدولي والوضع التاريخي والقانوني في القدس.
وأدان البيان أيضاً استمرار إسرائيل في بناء الوحدات الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ورفضها ضم المستوطنات إلى إسرائيل في مخالفة صريحة لقرارات الشرعية الدولية.
كلما قرأتُ فقرات البيان أدركت أن المجلس الوزاري جاد في فتح جميع الملفات العربية والدولية وليس الخليجية فقط، سواء المنطقة العربية أو روسيا وأوكرانيا. وفي هذه الأزمة الأوروبية أكد المجلس أنه مع مبادئ القانون الدولي وسيادة الدول وسلامة أراضيها واستقلالها السياسي وعدم استخدام القوة أو التهديد.
وشدد على دعم جهود الوساطة لحل الأزمة ووقف إطلاق النار. وساند البيان طبعاً سلامة السودان ومؤسساته وتغليب لغة الحوار، ومنع أي تدخل خارجي يزيد معاناة الشعب السوداني الشقيق.
ولأن المجلس الوزاري الخليجي يعرف جيداً سلوك إيران غير المستقر وخروجها في مرات كثيرة عن الاتفاقيات الدولية ونواياها العدوانية والإرهابية؛ فإنه طالب بالمشاركة في مفاوضات «النووي» الإيراني، وأن تشمل هذه المفاوضات كل القضايا والشواغل الأمنية لدول الخليج. وفي هذا الصدد، فإن أهم «وقاية» من التجاوز الإيراني المعهود، هي مشاركة دول الخليج في مفاوضات «النووي» الإيراني، والتعامل الفعّال مع هذا الملف وضرورة مشاركتها في جميع المفاوضات والمباحثات والاجتماعات الإقليمية والدولية بهذا الشأن، وأن تشمل المفاوضات بالإضافة إلى البرنامج النووي الإيراني القضايا والشواغل الأمنية كافة لدول الخليج العربية؛ بما يسهم في تحقيق الأهداف والمصالح المشتركة في إطار احترام السيادة وسياسات حسن الجوار، والالتزام بالقرارات الأممية والشرعية الدولية لضمان تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي. وفي الوقت نفسه ضرورة الحفاظ على الأمن البحري والممرات المائية في المنطقة والتصدي لكل ما من شأنه تهديد خطوط الملاحة البحرية والتجارة الدولية والمنشآت النفطية في دول المجلس.
وهذا يعني بالعربي الفصيح التزام إيران بعدم تجاوز نسبة تخصيب اليورانيوم التي تتطلبها الاستخدامات السلمية وضرورة التعامل الإيراني الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وهذه هي المرة الأولى التي يضع فيها مجلس التعاون الخليجي الخطوط الحمر في بيان سياسي لكي يلتزم الجميع بمبادئ السلام وحسن الجوار وعدم التهديد بالخروج على النص.
وتضمن البيان إلى جانب ذلك عدم التدخل الأجنبي في اليمن، وأهمية تقديم المساعدات الإنسانية والدعم التنموي للشعب اليمني الذي عانى كثيراً في ظروف الحرب الطويلة والعسيرة.
وبالنسبة إلى سوريا الشقيقة، فإن البيان ألزم نفسه، كما ألزم الجانب السوري نفسه بقاعدة متساوية الأضلاع تحت عنوان: «خطوة مقابل خطوة» في سوريا ليعود اللاجئون السوريون إلى وطنهم ومدنهم وقراهم.
ويضم مجلس التعاون الخليجي ستة أعضاء: المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين، ودولة قطر، ودولة الكويت وسلطنة عُمان. وعقد المجلس الذي تأسس في عام 1981 خلال الحرب العراقية – الإيرانية 156 دورة، ويعقد جلساته بالتناوب في عواصم دوله. ويتجاوز عدد نفوس دول مجلس التعاون 45 مليون نسمة ومساحة جغرافيته نحو 2.672.700 كم².
نقول لمجلس التعاون الخليجي: على بركة الله.
ان الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن “رأي سياسي” وإنما تعبر عن رأي صاحبها حصرًا.