المجتمع الدولي والجنون السياسي.
كتب عمر عليمات في صحيفة الدستور.
إنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة ضرورة لا يمكن القفز عنها، وحقيقة غير قابلة للاجتزاء أو التجاهل، الحقيقة التي حاول ساسة أمريكا وإسرائيل تجاهلها خاصة في السنوات الأخيرة، عبر ترويجهم لفكرة الازدهار والاستقرار مقابل السلام، إلا أن ما يجري في المنطقة اليوم يؤكد أن هذه الحقيقة لا يمكن تجنبها أو تقزيمها إذا ما أراد العالم وخاصة الغرب لهذه المنطقة أن تستقر.
الأردن ولسنوات طويلة حذر من مغبة تدهور الأوضاع وانفجارها في أي لحظة نتيجة السياسيات اليمينية المتطرفة في إسرائيل، وحذر من خطورة القفز عن مبدأ حل الدولتين، وفرض أفكار وبرامج أخرى لن يكتب لها الحياة، فجوهر الصراع هو وقوع احتلال على أرض فلسطينية وتعنت إسرائيلي ورفض كافة الحلول القائمة على مبدأ الأرض مقابل السلام.
اليوم تذهب إسرائيل بدعم أمريكي غير منضبط نحو تصعيد الموقف بشكل غير مسبوق، فهي تسعى إلى تحقيق هدف واحد فقط وهو إنهاء وجود حركة حماس في غزة واجتثاثها، على اعتبار أن ذلك الأمر سيحقق الأمن لإسرائيل، وكأن حماس هي مَن تتحكم بتوجهات وتطلعات الشعب الفلسطيني، وأنه سيقبل بالتخلي عن إقامة دولته الوطنية بمجرد القضاء على الحركة، وهذه النظرة القاصرة لا تدرك أن الشعب الفلسطيني في غالبيته غير منتمٍ للحركة والكثير منهم غير مؤمن بأفكارها وطروحاتها، وأن ما يجمعهم فقط حقيقة واحدة وهي أنهم لن يتخلوا عن إقامة دولتهم الوطنية وحكم أنفسهم، فالقضية ليست قضية انتماءات سياسية وأيديولوجية بل قضية شعب يريد العيش على أرضه ويقيم دولته مثله مثل باقي شعوب العالم.
كل السيناريوهات اليوم ممكنة، وقد يكون أسوأها هو الأكثر ترجيحاً، ورغم السردية الثابتة التي تقول إن العنف لن يجر سوى العنف، إلا أن العالم الغربي في سباق محموم نحو الدفع تجاه الحرب مع أن الجميع مدرك أن المنطقة لا تحتمل المزيد من التصعيد، وأن الفتيل الاشتعال يقترب في كل لحظة بشكل أكبر ليصل إلى برميل البارود المحتقن أصلاً.
حالة الجنون السياسي الذي تمارسه القوى الكبرى في العالم وتفويضها المباشرة لممارسة العقاب الجماعي ضد الفلسطينيين، ومنح الفرصة للحكومة اليمينية لتنفيذ مخططات التهجير والتوسع، حالة غير مفهومة ولا يمكن قراءاتها سياسياً، فالمصالح الغربية في المنطقة تحتاج إلى الاستقرار، والتوجه الأمريكي نحو الشرق يحتاج إلى هدوء نسبي في الشرق الأوسط، وتحديات الاقتصاد العالمي تحتاج إلى مرحلة من النمو والإنتاج وليس الحرب، وإغفال كل ذلك لا يمكن قراءاته تحت عنوان المراهقة السياسية أو الاندفاع الكامل لدعم إسرائيل، بل قد يكون له ارتباطات أخرى تتعلق بمفاهيم الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد وتصفية القضية الفلسطينية نهائياً، وهذا كله لن يتم إلا عبر سياسة الأرض المحروقة، إلا أن النتائج قد تكون بعكس كل التوقعات وستحرق الأخضر واليابس.
باختصار، على المجتمع الدولي أن يعود إلى رشده ويمارس ضغطاً فعلياً وحقيقياً على إسرائيل لوقف التصعيد، فالحرب إذا ما امتدت لن تقف عند حدود المنطقة، وسيكتوي العالم كله بما يجري في الشرق الأوسط، وفي النهاية حتى وإن مُسحت حماس عن وجه الأرض، وحتى لو اشتعلت حرب طاحنة في الإقليم، سيعود الجميع بعدها إلى المربع الأول وهو جوهر الصراع، فلا الشعب الفلسطيني سينتهي وينقطع نسله ولا إسرائيل ستقتنع بوجود دولة فلسطينية مستقلة، ولا سبيل للخروج من هذه المعضلة إلا بموقف دولي حاسم وقادر على فرض حل سياسي وتسوية نهائية للصراع عبر إقامة دولة مستقلة للفلسطينيين، وما عدا ذلك سيبقى السلام مجرد فترات استراحة مقتضبة بين جولات الصراع الدامي، وسيبقى الجميع يقفز في الهواء دون أن يعرف على ماذا سيسقط.