صدى المجتمع

“اللحم لكم و العظم لنا “

“اللحم لكم و العظم لنا” مقولة كان يرددها آباؤنا منذ عشرات السنين عند مخاطبتهم أساتذة أولادهم في المدرسة، بحيث كانت تعبر هذه التوصية عن تقدير الأب لدور المعلم وهيبته وعن مشاركته في تربية و تأديب أولاده.
هذه العبارة كانت تعكس العلاقة المميزة بين الأهل و المدرسة و تظهر حرصهم على التعاون والشراكة مع المدرسة والمدرسين. كما انها تحفز الأولاد على العمل الجاد و المثابرة للتحصيل العلمي. هذه العبارة القديمة لم تعد تصلح في عصرنا هذا لا بل اختفت بالكامل و خاصة في مجتمعنا اللبناني.
أصبح الأهل يتسابقون الى المدرسة للتشاجر مع المدرسين والمدرسات ليس بسبب تجرء الاستاذ على لمس التلميذ، انما بمجرد تلفّظ الأستاذ بكلام حاد او توبيخه، يقوم الأهل باعتبار هذا إهانة لمشاعر ولدهم. انه عصر ”التدليل”.
يُفسر التدليل على انه نوع من السلوكيات التي تُظهر عناية مفرطة للأبناء من قبل الأهل و يبدو هذا التدليل جليًّا عند قيامهم بتحقيق كل رغبات ابنائهم، عدم حثّهم على الإنضباط، وتجنّب فرض القوانين عليهم. كل هذه السلوكيات تأثّر بشكل سلبي جدا على بناء شخصية الأولاد بحيث يفتقرون الى المسؤولية والانضباط الذاتي.

تروي مدرّسة الصفوف الأساسية في احدى المدارس اللبنانية عن معاناتها الدائمة في تعاملها مع آباء وأمهات عدد كبير من التلاميذ اللبنانيين الذين يُظهرون تذمّرهم واستهجانهم عند توجيه اي ملاحظة لأولادهم، بالإضافة الى مواجهة مشكلة التلاميذ الذين لا يظهرون اي هيبة او احترام لها بل يعتبرونها موظف لديهم. و تشرح المدرّسة عبر خبرتها الطويلة لسنوات في التعليم عن تراجع الأداء الدراسي والأخلاقي للتلاميذ اللبنانيين، في حين انها تُظهر استغرابها من ان التلاميذ غير اللبنانيين المندمجين في ذات الصفوف لا يظهرون السلوكيات نفسها و يُبدون تقدما وأداء تربويا وسلوكيا افضل بكثير.
يرى الباحثون ان مثل هذه السلوكيات تنتج عواقب وخيمة على المستوى التعليمي ومستقبل الأجيال القادمة. فعلى الرغم من التقدم التكنولوجي الذي يشهده المجتمع والتطور في اساليب ومناهج وادوات التعليم فيبدو واضحا أن التعليم ينزلق في مجتمعنا، فنرى مستوى دراسي متدن وغير مقبول عند التلامذة، كما أن القدرة على الاستيعاب والتحصيل لديهم تتراجع. بالإضافة الى فساد الاخلاق، عدم القدرة على تحمل المسؤولية والتفكير النقدي والافتقار الى أخالقيات العمل للنجاح الاكاديمي.
باختصار، لا العقاب ولا التوبيخ ولا حتى الضرب قد سبّب لنا الأذى في الماضي بل على العكس كان يحفزنا على العمل
بجدية وعدم التقصير. كما أنه كان يعطي للمدرّس هيبته واحترامه. أفلم يحين الوقت قبل فوات الأوان لإعادة النظر في
طرق وأساليب التعليم في مجتمعنا؟

كاتبة المقال: بشرى البنّا

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى