اللجوء في أوروبا.. تحديات وعقبات تنتظر تنفيذ الإصلاحات!
كتبت إيلا جوينر, في “DW” :
نجحت دول الاتحاد الأوروبي في تجاوز خلافاتها وإقرار اتفاق سياسة الهجرة واللجوء الذي وافق البرلمان الأوروبي أيضا عليه. لكن ماذا عن التنفيذ؟ إذ يرى مراقبون أن تحفظات ومعارضة بعض الدول للإتفاق دليل على هشاشته.
في إبريل/ نيسان الماضي، صوت البرلمان الأوروبيووافق على حزمة تاريخية من إصلاحات سياسة الهجرة واللجوء، والتي بدأت مع انهيار نظام اللجوء في الاتحاد الأوروبي في عام 2015.
وقد تم تجاوز العقبة الرئيسية الأخيرة بعد ما يقرب من عقد من الجدل السياسي. وصوت أغلبية نواب البرلمان الأوروبي بالموافقة على كل نص من النصوص التشريعية العشرة، رغم أن الاتفاق بشأن الإصلاحات قد تعرض لانتقادات شديدة من قبل العديد من نواب اليسار واليمين.
وقالت منظمات غير حكومية ونواب ذوو ميول يسارية: إن الاتفاق يقوض الحق في طلب اللجوء، ولا يوجد فيه ما يمنع المهاجرين من القيام بالرحلات الخطرة بالقوارب عبر البحر الأبيض المتوسط للوصول إلى الاتحاد الأوروبي.
في حين يرى اليمين المتطرف أن الاتفاق والإصلاحات لم تذهب بعيدا بما فيه الكفاية للحد من الهجرة غير الشرعية إلى الاتحاد الأوروبي، وهو الهدف الأساسي لحزمة الإصلاحات الشاملة.
وبينما كان المشاركون في التوصل إلى الاتفاق يتنفسون الصعداء، قال رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك على الفور إنه لن ينفذ الجزء الذي يطلب من الدول الأعضاء نقل اللاجئين من دول أخرى في الاتحاد الأوروبي من أجل توزيع أكثر عدلا. كما انتقدها رئيس الوزراء المجريفيكتور أوربان الاتفاق في تغريدة نشرها على موقع X، تويتر سابقا، قال فيها: ميثاق الهجرة مسمار آخر في نعش الاتحاد الأوروبي. ماتت الوحدة ولم تعد هناك حدود آمنة. المجر لن تستسلم أبدا لجنون الهجرة الجماعية!
الإصلاحات هي “نقطة البداية”
كما اعترفت وزيرة الدولة البلجيكية للهجرة، بأنه لا يزال هناك طريق طويل لنقطعه. وصرحت دي مور، التي تتولى بلادها الرئاسة الدورية الحالية للاتحاد الأوروبي، للصحفيين بأن “إنجاز الاتفاق لم يكن نهاية عملنا” وأضافت بأنه “كان نقطة البداية”.
والقواعد الجديدة، التي اقترحتها المفوضية الأوروبية لأول مرة في سبتمبر/ أيلول 2020 بعد محاولة فاشلة سابقة، من المتوقع أن تدخل حيز التنفيذ في عام 2026. ولا تزال بحاجة إلى موافقة نهائية من الدول الأعضاء، وهذا مجرد إجراء شكلي لأنها أعطت بالفعل الضوء الأخضر قبل التصويت عليها في البرلمان الأوروبي. وفي العامين المقبلين، ستحتاج الدول الأعضاء إلى إدخال التغييرات المطلوبة في القانون الوطني لتتوافق مع القانون الأوروبي.
لكن الشيطان يكمن في التفاصيل، أو ربما في هذه الحالة، في التنفيذ. وكما قالت كاميل لو كوز، من معهد سياسات الهجرة في أوروبا، لـ DW في أبريل/ نيسان، لا تزال هناك أشياء كثيرة يتعين رؤيتها. وأضافت في حوارها مع DW “الاتفاق بصيغته الراهنة سيكون أكثر صرامة بالنسبة لطالبي اللجوء، ولكنه فشل في الإجابة على العديد من القضايا التي تواجهها أوروبا في الوقت الراهن”.
وأشارت إلى أن “السؤال الرئيسي هو: هل يمكن أن نجعل هذا النظام المعقد الذي من المفترض أن يتم تنفيذه في العامين المقبلين يؤدي فعليا إلى تغيير في الطريقة التي تتم بها إدارة تدفقات الهجرة حاليا؟”.
معاملة خاصة للأطفال
وحتى بالنسبة للدولة العضو الراغبة في ذلك، هناك الكثير مما ينبغي عليها تنفيذه. فبموجب القواعد الجديدة، سيتم فحص طالبي اللجوء بشكل أكثر دقة خلال سبعة أيام من وصولهم إلى الاتحاد الأوروبي سواء عن طريق البر أو البحر أو الجو.
سيتم تخزين تفاصيل بياناتهم في قاعدة بيانات بصمات اللجوء الأوروبية Eurodac، والتي سيتم توسيعها بمزيد من البيانات البيومترية. وفي نفس الفترة (سبعة أيام)، سيتم توجيه طالبي اللجوء إلى أحد المسارين لمعالجة طلباتهم.
وبموجب مسار جديد سريع، يمكن احتجاز المهاجرين من البلدان التي تقل معدلات الاعتراف بطلبات اللجوء فيها عن 20 بالمائة، مثل الهند وباكستان والمغرب، على الحدود لمدة تصل إلى 12 أسبوعا. ومن المقرر إنشاء مراكز احتجاز في اليونان وإيطاليا ومالطا وإسبانيا وكرواتيا وقبرص.
سيتم ترحيل الأشخاص المرفوضين مباشرة من الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي، إما إلى بلدهم الأصلي أو إلى بلد ثالث مصنف على أنه بلد آمن من قبل الاتحاد الأوروبي. وستتم معالجة طلبات باقي اللاجئين، وهم الأغلبية الكبيرة على الأرجح، ضمن المسار العادي، الذي من المقرر اختصاره، إذ أنه في الوقت الحاضر، غالبا ما تستغرق معالجات طلبات اللجوء سنوات في بعض الدول.
ومن المقرر أن يتلقى الأطفال معاملة خاصة، مع إلزام البلدان بإنشاء آليات مراقبة مستقلة لضمان احترام الحقوق. بالإضافة إلى ذلك، من المفترض أن تكون الشروط المقدمة لطالبي اللجوء في جميع أنحاء الكتلة موحدة.
استقبال لاجئين أو تقديم مساهمة مالية
الجزء الأكثر إثارة للجدل في حزمة الإصلاحات، على الأقل من وجهة نظر بولندا وهنغاريا، هو الآلية التي تلزم دول الاتحاد الأوروبي باستقبال اللاجئين من الدول الأعضاء الأخرى من أجل تحقيق توزيع أكثر توازنا للاجئين في دول التكتل.
وبموجب قواعد الاتحاد الأوروبي، من المفترض عموما أن يتم تقديم طلبات اللجوء في بلد الوصول، وهو نظام لا يقول إلا البعض إنه عادل لدول الحدود الجنوبية مثل إيطاليا واليونان.
وإذا رفضت الدول الأعضاء الأخرى عمليات إعادة التوطين للاجئين، عليها أن تدفع عوض ذلك مبلغا ماليا يقدر بنحو 600 مليون يورو سنويا أو تقديم الدعم اللوجستي بدلا من ذلك. والسؤال هو ما إذا كانت بولندا والمجر ستتعاونان أو ستقدمان أي مساعدة ذات معنى، نظرا لمعارضتهما الطويلة الأمد للهجرة.
وقال دافيد كولومبي من مركز دراسات السياسة الأوروبية لـ DW: إنه في حين لا يتوقع أحد أن تستقبل المجر اللاجئين الذين سيتم إعادة توزيعهم، إلا أن تعليقات رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك كانت أكثر غموضا.
وأضاف كولومبي بأن “بولندا قالت إنها لن تستقبل أي مهاجرين غير شرعيين. وطالبو اللجوء واللاجئون ليسوا مهاجرين غير نظاميين بموجب طلب اللجوء الذي يقدمونه”. وأوضح بأن توسك تقصّد الغموض في تصريحاته أو أنه يخلط عمدا بين المهاجرين واللاجئين المعترف بهم.
الإسراع بتقديم خطة التنفيذ
وبحسب كولومبي، فإن هذه الآلية توفر للدول الأعضاء “سبلا للهروب من مسؤولياتها أيضا، على سبيل المثال من خلال رعاية العودة والمساهمات المالية”.
وأكد أن الأمر متروك للمفوضية الأوروبية، وكذلك وكالات حقوق الإنسان في الاتحاد الأوروبي، لضمان تنفيذ الصفقة على النحو المنشود.
ربما يكون الميثاق الجديد قد وضع حدا لسنوات من المفاوضات المشحونة والمرهقة، ولكن مع التحول المتوقع نحو اليمين في انتخابات البرلمان الأوروبي المقبلةفي يونيو/ حزيران، يرى بعض المراقبين في بروكسل أن مسألة الهجرة ستتراجع على الأجندة الأوروبية قريبا. وفي العام الماضي، وصل عدد طلبات اللجوء في الاتحاد الأوروبي إلى أعلى مستوى منذ سبع سنوات، حيث بلغ 1,1 مليون طلب لجوء.
وقالت يلفا يوهانسون، مفوضة شؤون الهجرة: إن المفوضية الأوروبية ستقدم خطتها الخاصة لتنفيذ الاتفاق قبل الموعد المحدد. وأضافت بأنها ستحث أيضا الدول الأعضاء على تقديم خططها الوطنية بحلول نوفمبر/ تشرين الثاني، قبل الموعد النهائي المحدد في يناير/م كانون الثاني 2025. وحذرت من أن “أربعة وعشرين شهرا يمكن أن تمر بسرعة كبيرة”.