اللبناني .. حرمان من الدخل والدواء والكهرباء والمسكن والعمل
مع اشتداد الأزمة غير المسبوقة التي تشهدها البلاد منذ عام 2019، لم يعد الحديث عن الفقر محصوراً بالحرمان من الدخل فقط، بل بات يشمل أنواعاً متعدّدة من الحرمان ووجوهاً مختلفة له. بناءً على هذا المعيار، خلصت «إسكوا»، في أيلول الماضي، إلى أن نسبة الفقر المتعدّد الأبعاد في لبنان تضاعفت من 42% عام 2019 إلى 82%، فيما طاول الفقر المدقع المتعدّد الأبعاد ثلث السكان. أما نسبة الفقر المادي فباتت تتجاوز الـ70% من السكان
مع نهاية السنة الجارية، تكون نسبة المُقيمين في لبنان ممن يعيشون في فقر متعدّد الأبعاد قد تضاعفت إلى 82% في مقابل 42% في 2019، وفق تقديرات لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (إسكوا)، في تقرير أصدرته في أيلول الماضي بعنوان «الفقر المتعدّد الأبعاد في لبنان: واقع أليم وآفاق مبهمة»، يبحث في المفهوم الأوسع للفقر؛ أي ذلك الذي يأخذ في الاعتبار مختلف الظروف المعيشية والأنواع المتعدّدة من الحرمان. وعليه، ومهما بدا الحديث عن الفقر في ظلّ الانهيار الاقتصادي غير المسبوق الذي تشهده البلاد منذ عامين «طبيعياً»، فإن ما تثيره الدراسة يتجاوز مفهوم الفقر المادي المحصور بالدخل، ليشمل أنواعاً مختلفة من الحرمان باتت تصيب غالبية الأُسر المُقيمة في لبنان. وفق «إسكوا»، يُقاس مفهوم «الفقر المتعدّد الأبعاد» عبر دراسة مؤشّرات الحرمان في ستة أبعاد أساسية هي: التعليم، الصحة، الخدمات العامة، المسكن، الأصول والممتلكات، والعمل والدخل. وتُصنّف الأسرة بأنها تعاني من الفقر المتعدّد الأبعاد في حال كانت تعاني من وجه واحد أو أكثر من الحرمان «حتى وإن لم تكن فقيرة مادياً».
تُشير الأرقام إلى أن نسبة الأسر الفقيرة المحرومة من الكهرباء ارتفعت إلى 54%، أي ما يعادل 650 ألف أسرة من أصل مليون و210 آلاف أسرة، «وأصبحت البدائل المتاحة لهذه الأسر كالاشتراكات في المولدات الخاصة ذات كلفة باهظة ما أدّى إلى تراجع عدد المشتركين فيها وحجم استهلاك الكهرباء.
لذلك بحثت الدراسة الأبعاد المتعدّدة للفقر في لبنان للفترة 2019 – 2021، وخلُصت إلى أنه إذا تمّ أخذ أبعاد أوسع من الدخل في الاعتبار كالصحة والتعليم والخدمات العامة، تصل نسبة الذين يعيشون في فقر متعدّد الأبعاد إلى 82% من السكان (استناداً إلى بيانات مسح القوى العاملة والأحوال المعيشية للأسر في لبنان للفترة 2018 – 2019، الذي أجرته إدارة الإحصاء المركزي في لبنان، بدعمٍ من المكتب الإقليمي للدول العربية التابع لمنظمة العمل الدولية، والاتحاد الأوروبي). ويشرح معدّو الدراسة أن الأسرة المحرومة، مثلاً، من التيار الكهربائي يُمكن أن تُصنّف فقيرة بحسب مفهوم الفقر المتعدّد الأبعاد «رغم إمكاناتها المادية التي تخوّلها الاشتراك في مولّد خاص للكهرباء في حال كان ذلك مُتاحاً». كما ينطبق التصنيف نفسه على الأُسر العاجزة عن الحصول على الأدوية رغم قدرتها المادية على شرائها إن توافرت.
اللافت هو ما تُشير إليه الدراسة لجهة ارتفاع نسبة «الفقر المدقع المتعدّد الأبعاد»، أي حالة الحرمان في بُعدين أو أكثر من أبعاد الفقر على ما توضح الباحثة المساعدة الأولى في اللجنة سما الحاج سليمان لـ«الأخبار»، مُشيرة إلى أن تصنيف الفقر المدقع يستند إلى مقياس حاصل الحرمان، «وكلما زاد الحرمان في الأبعاد زاد الحاصل». ووفق نتائج الدراسة، فإن الفقر المدقع المتعدّد الأبعاد أصبح يطاول نحو 34% من السكان «وفي بعض المناطق اللبنانية أكثر من نصفهم». كذلك، لفتت الدراسة إلى أن الأزمة جعلت نسبة الفقراء من ذوي أعلى درجات التحصيل العلمي تقارب نسبة الفقراء من ذوي أدنى الدرجات، ذلك أن معدل الفقر المتعدّد الأبعاد بلغ 63% في صفوف الطلاب الجامعيين و87% بين الطلاب من ذوي أدنى مستويات التحصيل العلمي. وتلفت الحاج سليمان إلى أن نسبة الفقر المتعدّد الأبعاد كانت تبلغ عام 2019 نحو 14% في أوساط حملة الشهادات الجامعية، ونحو 53% في أوساط المجموعات التي لا تملك شهادات تعليمية، ومع ارتفاع النسب بهذه الطريقة «يتبين أن الأزمة ساوت بين المجموعتين وستطاول مختلف الشرائح».
كذلك ارتفعت نسبة الأسر المحرومة من الرعاية الصحية إلى 33%، ونسبة الأسر غير القادرة على الحصول على الدواء إلى أكثر من النصف. ووفق الحاج سليمان فإن غالبية المُقيمين في لبنان عانوا بالدرجة الأولى من الحرمان في الصحة، ثم الخدمات العامة، فالعمل، والدخل. ولفتت الدراسة إلى أنه مع تفاقم هجرة الأدمغة من مهنيين وغيرهم، ارتفعت نسبة الأسر الفقيرة المحرومة من فرص العمل إلى 13% (ما يوازي 160 ألف أسرة). كما ارتفعت نسبة كبار السن الذين يعانون من الفقر المتعدّد الأبعاد ارتفاعاً حاداُ من 44% عام 2019 إلى 78% عام 2021.
عقب إصدار الدراسة، ذكّرت الأمينة التنفيذية للإسكوا رولا دشتي أنه في عام 2020، قَدّرت «إسكوا» أنّه يمكن للعُشر الأغنى من اللبنانيين، الذين كانوا يملكون ثروة قاربت 91 مليار دولار آنذاك، تسديد كلفة القضاء على الفقر من خلال تقديم مساهمات سنوية لا تتعدى 1% من ثرواتهم، مُشدّدة على أهمية التضامن والتعاون بين جميع مكوّنات المجتمع اللبناني للحدّ من تداعيات الأزمة. طبعاً الحديث هنا يشمل، وفق اللجنة، ضرورة توافر بيئة سياسية مناسبة ودعماً من المجتمع الدولي.
أشارت الدراسة إلى أن الصدمات المتداخلة لسعر صرف الليرة «الذي كان ثابتاً منذ مطلع القرن»، ولّدت ضغوطاً هائلة، فانخفضت قيمة العملة وارتفعت معدلات التضخّم في الفترة من حزيران 2019 إلى حزيران من هذا العام بنسبة 281%. وعليه، تفاقم الفقر إلى حدّ هائل في غضون عام واحد فقط، إذ أصبح يطال 74% تقريباً من مجموع السكان، علماً بأن تقديرات دراسة سابقة لـ«إسكوا» أشارت إلى أن الفقر في عام 2020 طاول 55% من السكان تقريباً في مقابل 28% عام 2019.
بحسب الدراسة، ارتفعت نسبة الأسر الفقيرة غير القادرة على الحصول على الدواء إلى أكثر من النصف (52%)، أي ما يعادل 630 ألف أسرة. وارتفعت نسبة الأسر الفقيرة المحرومة من الرعاية الصحية من 9% عام 2019 إلى 33% عام 2021، أي ما يوازي 400 ألف أسرة من أصل مليون و210 آلاف أسرة في جميع المحافظات.