رأي

“الكيان” يُريد حربًا بحثًا عن انتِصارٍ سريع ينسف المُفاوضات النوويّة.. والغارات على اللاذقيّة تَصُب في هذا الهدف

كتب عبد الباري عطوان في “رأي اليوم”: شنت الطائرات الاسرائيلية عدوانا صاروخيا فجر اليوم الثلاثاء استهدف ساحة الحاويات في ميناء اللاذقية للمرة الثانية في اقل من عشرة أيام، مما أدى الى الحاق خسائر مادية كبيرة، واندلاع حرائق.
الذريعة الإسرائيلية لمثل هذه الهجمات العدوانية هو ضرب حاويات أسلحة وصواريخ كانت في طريقها من ايران الى “حزب الله” في لبنان، حسب ادعاءات ومزاعم صحافية، ولكن السبب الحقيقي في رأينا “استفزاز” سورية ودفعها الى الرد الامر الذي قد يؤدي الى “غزو” اسرائيلي شامل وموسع، لإسقاط النظام، والقضاء كليا على الجيش السوري والمؤسسة الأمنية، وخلط الأوراق في المنطقة برمتها.
“إسرائيل” المرعوبة من تنامي قوة محور المقاومة، والترسانة الصاروخية الهائلة التي يملكها، تبحث الآن عن حرب بأي وسيلة، لتحقيق “انتصار” يطمئن جبهتها الداخلية، ويعيد الاعتبار لجيشها الذي فقد هيبته وتفوقه العسكري في المنطقة، وترى قيادتها ان سوريا المحاصرة المجوعة الغارقة في حرب ضروس طوال السنوات العشر الماضية، هي الحلقة الأضعف في هذا المحور، ولهذا تكرر هجماتها، مطمئنة لغياب أي رد روسي، مباشر او غير مباشر.
اللافت ان هذه الغارة الإسرائيلية على الميناء الاضخم لسورية، والذي يبعد 50 كيلومترا فقط عن قاعدة حميميم الجوية الروسية، تزامنت مع قرار إسرائيلي باستثمار 376 مليون دولار لمضاعفة الاستيطان في هضبة الجولان المحتلة، أي من 50 الفا الى مئة الف مستوطن، وتطاول السيد عبد الله المعلمي مندوب السعودية بالأمم المتحدة الشرس والمفاجئ على سوريا، ورئيسها، وجيشها، وتأكيده بأن الحرب لم تتوقف بل ما زالت مستمرة لإطاحة النظام السوري.
توقيت هذا الهجوم جاء محسوبا بدقة، مع بداية الجولة الثامنة، وربما الأخيرة، من المفاوضات النووية في فيينا بين ايران والدول الخمس العظمى بشكل مباشر، والولايات المتحدة بشكل غير مباشر، وسط انباء عن تحقيق تقدم كبير، نتيجة تنازلات أميركية ضخمة على صعيد تلبية الشرط الإيراني برفع كامل للعقوبات، مقابل عدم اقدام السلطات الإيرانية على تخصيب اليورانيوم بمعدلات تزيد عن 60 بالمئة، والسماح للمفتشين الدوليين بدخول منشآتها النووية مجددا، فدولة الاحتلال لا تريد النجاح لهذه المفاوضات لاستثناء البرامج الصاروخية الإيرانية، والدور الإقليمي لإيران في منطقة الشرق الأوسط، واحتفاظها في الوقت نفسه بخبراتها الجبارة التي تؤهلها لصنع قنبلة نووية في بضعة اشهر، كدولة “حافة نووية”.
الخسائر السورية من جراء هذا القصف العدواني الإسرائيلي، جاءت محدودة، ومقتصرة على بضعة حاويات لزيوت وقطع غيار آليات وسيارات، مثلما قال الرائد مهند جعفر قائد فوج إطفاء الحرائق في الميناء، ولكن الخسائر الأكبر ستكون في الجانب الروسي الذي من المفترض ان يوفر الحماية للميناء الواقع في الفناء الخلفي لقواعده العسكرية الجوية في حميميم، والبحرية في طرطوس، “فكظم الغيظ” من الجانبين الرسمي والشعبي السوري والعربي أيضا، قد لا يطول كثيرا.
التبرير الروسي لهذا التخاذل والعقوق في الرد “مخجل” قبل ان يكون غير مقنع، فعندما سأل الأستاذ سلام مسافر صاحب برنامج “قصارة القول” في قناة “روسيا اليوم” العقيد قسطنطين سيفكوف نائب رئيس اكاديمية العلوم الصاروخية والمدفعية في موسكو، عن رده على الاتهامات الموجهة لبلاده عن عدم ردها على الغارات الإسرائيلية أجاب “ان روسيا ليست في حالة حرب مع إسرائيل أولا، ولم تذهب الى سورية لمحاربة إسرائيل والتصدي لغاراتها، وانما للتصدي للجماعات الإرهابية المسلحة”.
لا نجادل في صحة ما قاله العميد قسطنطين وتبريراته، مثلما لا ننكر في الوقت نفسه الدور الكبير الذي لعبته روسيا في احباط المؤامرة الرامية الى تفتيت سورية وزعزعة امنها واستقرارها، ومنع تكرار السيناريوهات الليبية واليمنية والعراقية على ارضها، وخسارتها المئات من جنرالاتها وجنودها سالت دمائهم على ارض المعارك في سورية، ولكن هذا لا يمنعنا من مطالبة القيادة الروسية “بإكمال معروفها”، وحفاظا على هذه الإنجازات، وتزويد الجيش العربي السوري، الحليف والشريك في المعركة، ضد الجماعات المسلحة التي تهدد روسيا أيضا، بالمنظومات الدفاعية اللازمة للتصدي لهذه الغارات والطائرات التي تنفذها بكفاءة عالية، انطلاقا من حق الدفاع عن النفس.

لسنا من الذين يطالبون القيادة السورية، بشقيها السياسي والعسكري، بالتهور، والسقوط في مصيدة الذرائع الإسرائيلية، والرد الفوري و”النزق” على هذه الغارات في التوقيت الذي تريده دولة الاحتلال، خاصة والمفاوضات النووية الإيرانية الاميركية تقترب من نهايتها سلبا او إيجابا، وربما في غضون أسابيع او ربما أيام معدودة، ولكن هذا لا يعني عدم الرد وحتميته، وبقوة في المستقبل المنظور على أي غارة إسرائيلية جديدة، فالعدو لا يفهم الا لغة القوة، وكل القوانين السماوية والوضعية تشرّع حق الدفاع عن النفس والتصدي للعدوان.
القيادة الإسرائيلية التي انهزم جيشها، وافلست قببها الحديدية في معركة “سيف القدس” الأخيرة التي استمرت 11 يوما فقط في آيار (مايو) الماضي، ستُهزم حتما في أي حرب جديدة ضد محور المقاومة، وبعض النظر عن نتيجة مفاوضات فيينا النووية، وقد تكون الهجمات القادمة على سورية وضرب اهداف إيرانية، عنصر التفجير لهذه الحرب.
العقيد سيفكوف نفسه قال في تصريحات صحافية ان هناك اربع قوى صاروخية باليستية متفوقة في العالم، الصين وروسيا وكوريا الشمالية وايران، والقوة الإيرانية الصاروخية كفيلة بتحويل إسرائيل الى كومة تراب في حال أي رد إيراني على هجوم تقدم عليه “إسرائيل” لتدمير المنشآت النووية.
رد محور المقاومة سيأتي حتما، وربما بات قريبا جدا، وفي أي يوم من أيام العام الجديد، فقد طفح الكيل.. والأيام بيننا.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى