رأي

الكويت وبريطانيا.. ترابط عمره 125 سنة

كتب عبدالله بشارة في صحيفة القبس:

في حفل متميز أقامته السفارة البريطانية يوم 29 يناير الماضي، بحضور نائب رئيس الوزراء البريطاني السيد أوليفر داورن، الذي ألقى كلمة استعرض فيها تاريخ العلاقات الثنائية، مشيداً بحصادها، ومؤكداً مكانتها، ومجدداً الإصرار على تعميقها، لاسيما في الجوانب التنموية الاستثمارية، وكان الشيخ محمد عبدالله المبارك وزير شؤون الديوان الأميري ممثلاً للحكومة في هذه المناسبة التاريخية.

كنت من المدعوين بصفتي منسقاً لجمعية الصداقة الكويتية ـ البريطانية، مستمعاً للتعبيرات التي جاءت في مداخلات الوزير البريطاني ومشاركة الشيخ محمد عبدالله المبارك، متأملاً في مسار تاريخ العلاقات، وعلى الأخص ما سجله هذا التاريخ عن الدور البريطاني في تأمين سلامة الكويت والحفاظ على هويتها واستقلالها، وصون بقائها في فضاء مملوء بصراع القبائل، واندفاع بعضها نحو المواقع التي تؤمن لها الحياة وسلامة البقاء، وكانت الكويت تحتوي على كبرى المغريات التي تبحث عنها هذه القبائل، خاصة مؤقعها الجغرافي وقربها من حدود الامبراطورية العثمانية المتواجدة في البصرة، والمتشوقة لضم الكويت وإدخالها إلى التبعية العثمانية، بينما يواصل حاكمها مغازلة السلطات العثمانية المتابعة للشأن الكويتي من مقرها في البصرة.

كان البحر أهم مصدر رزق لأهلها، حيث البحث عن اللؤلؤ في بحر الخليج أو في تجارة الكويت مع موانئ الخليج، وعبوراً نحو الهند كأكبر موقع للبضائع التي تحتاجها الكويت للاستهلاك، أو لإعادة التصدير إلى مواقع الجوار، ولهذه الأسباب كان لابد من تأمين السلامة البحرية للأسطول التجاري الكويتي، الذي بدأ يتضخم، مع المحافظة على هدوء المواقع التي تحتوي على احتمالات تواجد اللؤلؤ، ولم يكن حاكم الكويت يملك الآليات التي تؤمن الهدوء والاستقرار البحري، وإنما كان يسعى عبر التواصل الدبلوماسي مع السلطات العثمانية، ويهدئ أطماعها بعبارات تبث الأمل باحتمالات الحل الذي يرضي العثمانيين، بينما يسعى مفتشاً عن وصفات تضمن له استمرار المناورة، لعله يتوصل إلى وصفة للحماية التي تسعفه من ضغوط ممثل الدولة العثمانية في البصرة.

ومع وصول الشيخ مبارك الصباح إلى الحكم، ومستهدياً بتنوع التجارب الكويتية لصد أطماع السلطة العثمانية، ومستفيداً من خبرته الشخصية كمشارك مع إخوانه في مسؤوليات الحكم، توصل إلى تفاهم مع السلطات البريطانية عبر ممثليها في الخليج، بالتوقيع على اتفاقية تحمي بريطانيا العظمى بموجبها استقلال الكويت وسيادتها وتحترم نظام الحكم فيها وتصون حدودها، مقابل امتناع حاكم الكويت من التواصل مع القوى الأخرى المتواجدة في الإقليم، كما تتولى بريطانيا إدارة الشأن الكويتي الخارجي.

ومنها خرجت اتفاقية الحماية التي تم التوقيع عليها في 29 يناير 1899، والتي احتفلنا بالذكرى المئة والخامسة والعشرين على مرورها، مشيدين بدورها في رعاية تطور الكويت من إمارة إلى دولة مؤثرة دبلوماسياً واقتصادياً وتجارياً، وصادقة في تحمل التزاماتها وفق بنود الاتفاقية، ومقدرة الدور البريطاني في حمايتها حدوداً وسيادة وهوية، عبر رواية متنوعة في تشكيلاتها تضمنت وسائل الإقناع ونعومة الدبلوماسية، وأحياناً في لجوء إلى أثقال القوة، وتوظيف دبلوماسية الزوارق Gun_boat diplomacy.

ومرت سنواتها الأولى هادئة ما عدا حادثة 1905، عندما دخلت بارجة عثمانية جون الكويت في مسعى لفرض سلطتها على الكويت، مما دفع بريطانيا إلى إرسال بارجة بريطانية أضخم في حجمها مخيفة في تهديداتها، فهربت السفينة العثمانية من دون مماطلة.

تواصل الوفاء البريطاني للمسؤوليات التي فرضتها الاتفاقية، لاسيما في النصف الأول من القرن الماضي، مدافعاً عن الكويت في حماية لاستقلالها في صد القبائل التي تصورت السهولة في احتلال الكويت، فاعترضتها الطائرات البريطانية، التي ساهمت في إحداث الجهراء عام 1920، ولاحقت الغزاة لتأمين خروجهم من الأراضي الكويتية، وقد سجل تاريخ العلاقات بين بريطانيا والكويت المساهمة البريطانية العسكرية في حماية الكويت في الفترة من عام 1920 إلى منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي، فقد أدركت السلطات البريطانية ضرورة تخطيط الحدود بين السعودية والكويت، وبين الكويت والعراق، وأيضاً الحدود السعودية ــ العراقية، وجاء مؤتمر العجير عام 1922، بحضور قائد السعودية عبدالعزيز بن سعود، وممثلين عن العراق، واكتفى الشيخ أحمد الجابر بحضور المعتمد البريطاني في الكويت الميجور مور، ممثلاً له في المؤتمر، ولم يكن مؤثراً فقد ظل صامتاً، بينما المناقشات تدور حول الحدود السعودية ـ العراقية، وترك شأن الحدود الكويتية مع السعودية والعراق لرئيس المؤتمر السير بيرسي كوكس Sir Percy Cox، مما أزعج الشيخ أحمد حاكم الكويت، الذي وبخ المعتمد، وعندما جاء السير برسي إلى الكويت ليشرح للشيخ أحمد الجابر حصيلة المؤتمر، عبر الشيخ أحمد عن غضبه ليرد عليه بأن السيف أبلغ من فصاحة الكلمات، ملوحاً بأن الشيخ يستطيع استرجاع ما يريد عندما تتوافر له القوة.

وما يثير الانتباه في حصيلة المؤتمر، رسم المنطقة المحايدة بين الكويت والسعودية، وبين السعودية والعراق، اعتماداً على غياب الاتفاق حولها وجعلها خارج قبضة أي طرف، بسبب نزاعات القبائل وادعاءات بتواجد تاريخي فيها.

في عام 1932، تم تبادل الرسائل بين حكومة العراق وإمارة الكويت لتحديد الحدود بين البلدين عبر الحكومة البريطانية المسؤولة عن الشأن الخارجي الكويتي، ووقعها عن العراق رئيس الوزراء نوري السعيد، وحاكم الكويت الشيخ أحمد الجابر، نيابة عن الكويت، وتمكن العراق من الانضمام إلى عصبة الأمم بعد أن أكد الاعتراف بحدوده مع جيرانه الكويت وسوريا وإيران والمملكة العربية السعودية، وفق شروط الانضمام للمنظمة.

في عام 1938، استدعى الملك عبدالعزيز بن سعود السفير البريطاني إلى الرياض، كان السفير في جدة، واسمه سير ريدر بولارد، وطلب منه الملك أن تتدخل بريطانيا لسحب الحشود العراقية المتواجدة على حدود الكويت وإبعادها، وإذا لم يتم ذلك فسيرسل قواته لإبعادها عن الكويت.

وفي عام 1946 كان الاحتفال بتصدير أول شحنة نفط في احتفال تاريخي دشنه الشيخ أحمد الجابر، بمشاركة ممثل بريطانيا وشركة نفط الكويت.

في عام 1950، أصبح الشيخ عبدالله السالم حاكماً للكويت بعد وفاة الشيخ أحمد، شهدت الكويت في فترة الخمسينيات تبدلات في أنظمة الحكم في عدة دول، منها العراق ومصر وسوريا، وصاحبها التوجه للاستقلال، وتأثرت الكويت بهذه الموجات والتي أدت إلى استقلال الكويت عام 1961، وفجأة يدعي حاكم العراق عبدالكريم قاسم تبعية الكويت، فتأتي بريطانيا بناء على طلب أميرها الشيخ عبدالله السالم، مع تأكيد التزامها بالحفاظ على استقلال الكويت، وانسحبت بعد وصول قوات من الجامعة العربية.

تولت بريطانيا تأكيد طلب الكويت للانضمام إلى الأمم المتحدة في صيف 1961، وفي نوفمبر 1961، واعترض الاتحاد السوفيتي بالفيتو مرتين.

تضخمت العلاقات الكويتية ـ البريطانية بعد اتساعها في التجارة والاستثمار والتعليم والدعم في تنوع الخبرات، وتواجد كويتي في لندن يراعي مصالح دولة الكويت، التي اتسعت محتوياتها، كما تكاثر الوجود البريطاني الفني، لاسيما مع تصاعد تصدير النفط، وتشعبت مسؤوليات شركاته.

ترسخت قنوات التشاور بين الكويت وبريطانيا، والتي أدت إلى استقلال الكويت عام 1961.

كانت بريطانيا في صدارة المساندين لاستقلال الكويت واستعادة حريتها واستقلالها، عندما تم غزو الكويت، وقادت السيدة مارغريت تاتشر الهبة العالمية لتحرير الكويت، وكانت بريطانيا في صدارة قوات التحالف الدولي، الذي رتبته المملكة العربية السعودية بالاشتراك مع الولايات المتحدة، وكان الدور البريطاني العسكري والاستخباراتي مهماً جداً في ملاحقة خطوات العراق العدائية.

تم تحرير الكويت في فبراير 1991، بعد سبعة أشهر من الاحتلال، وأدركت الكويت، حكومة وشعباً، حاجتها الماسة إلى صديق مؤثر يشكل الرادع للادعاءات العراقية، ومن هذا اليقين بالموقف البريطاني دخلت الكويت في شراكة استراتيجية مع حكومة بريطانيا، خلقت ممرات واتساعات في مجالات التعاون المتنوع اقتصادياً وأمنياً واستثمارياً وثقافياً، وعمقت قنوات التشاور في كل المجالات.

تتميز العلاقات مع بريطانيا بقوة الالتزام البريطاني في المسؤوليات التي تفرضها الاتفاقيات الموقعة بين البلدين، كما إنها تعتمد في فاعليتها على التأييد السياسي الشامل من مختلف الألوان، فالتأييد دائماً يضم المعارضة بجميع أطرافها، ولا يخرج من برلمانها ما يتعارض مع روح ونصوص الاتفاق، وهي صديق دائم للكويت وفي جميع الظروف.

من المؤكد أن العلاقات ستتعاظم في جميع المسارات، لاسيما في الجانب التكنولوجي والاقتصادي والثقافي، سيزيد عدد الطلبة الكويتيين، وتتنوع المشاريع، وسيزداد الحرص على ملاحقة المستجدات في التكنولوجيا.

للكويت تجربة طويلة وجميلة مع بريطانيا، وستكثر ملفاتها وتتعمق جذورها وتتصاعد الثقة بها.

أشير مرة أخرى إلى الحفل الذي أقامته السفارة البريطانية بمناسبة مرور 125 عاماً على الاتفاقية الأمنية الموقعة في 29 يناير 1899، بمشاركة نائب رئيس الوزراء البريطاني وحضور كويتي رسمي وشعبي، هذا الحفل وفر لنا مناسبة لاستعراض ثمراتها وحصادها، وتبقى الكويت محتاجة دائماً للدعم البريطاني.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى