الكويت والصين.. من الصداقة الوطيدة إلى الشراكة العظمى

كتبت د. نورة صالح المجيم في صحيفة القبس.
تمتد أواصر الصداقة الوثيقة بين الكويت والصين إلى قرون منصرمة، حيث كانت الكويت محطة حيوية مهمة في طريق الحرير القديم. وفي العصر الحديث، توطدت أواصر الصداقة بين البلدين والشعبين واتسعت رقعتها عبر مجالات عدة اقتصادية وثقافية وسياسية. حيث كانت الكويت من السابقين في إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع الصين.
وفي مطلع الألفية الجديدة، أحدثت الكويت تحولا شبه جذري على صعيد السياسة الداخلية والخارجية، مدفوعاً بالرؤية الثاقبة لصاحب السمو الشيخ صباح الأحمد، طيب الله ثراه، من أجل إحداث نهضة اقتصادية واجتماعية شاملة بالكويت، في سياق مواكبة التطورات والتحديات الداخلية والخارجية.
ويستند التحول الجديد للكويت، كما جسدته رؤية الكويت 2035، على ركنين أساسيين؛ تنويع مصادر الدخل للاقتصاد الكويتي للحد من الاعتماد على النفط، وتنويع الشراكات الاستراتيجية الخارجية. وفي سياق الأخيرة أصبح تركيز الكويت على توطيد العلاقات مع القوى الآسيوية الصاعدة وبالأخص الصين.
وفي سياق ذلك، تحولت العلاقات الصينية من علاقات صداقة وطيدة ترتكن إلى العامل الاقتصادي والنفطي تحديدا، إلى شراكة استراتيجية عظمى تتسع رقعتها لمجالات متنوعة. إذ كانت الكويت من أوليات الدول العربية المنضمة لمبادرة طريق الحرير الجديد أو الحزام والطريق، تلك المبادرة الاستراتيجية التي طرحتها الصين في 2013 كمبادرة عالمية لتوسيع التبادل التجاري والاستفادة من إمكانات جميع الدول المنضمة لتحقيق عدالة اقتصادية في العالم.
وفي إطار المبادرة، تحولت الصين إلى أهم شريك اقتصادي للكويت، ومساهم فعال في تحقيق رؤية 2035 الشاملة. ففي إطار المبادرة، تم الاتفاق على إنشاء عدة مشاريع عملاقة، يأتي في مقدمتها «مدينة الحرير» بتكلفة ناهزت الـ50 ملياراً، والتي من شأنها إحداث طفرة نوعية شاملة في خريطة الإسكان والبنية التحتية الكويتية.
كذلك، تستفيد الكويت من الخبرة الصينية لتطوير ميناء مبارك لتحويله إلى ميناء «ذكي»، تمهيدا إلى تحويل الكويت إلى ممر ملاحي عالمي. وتولي الصين أهمية كبيرة لتطوير موانئ الكويت، وتحويل الكويت إلى مصب ملاحي عالمي بفضل موقع الكويت الاستراتيجي على الخليج العربي والمحيط الهندي. إذ تلعب الكويت دورا رئيسيا في سياق طريق الحرير البحري.
وفي سياق مبادرة الحرير أيضا، ارتقت العلاقات الاقتصادية وحجم التبادل التجاري والعلاقات الثقافية على نحو لافت، حيث افتتحت الصين في عام 2018 مركز التبادل الثقافي لتعزيز أواصر الصداقة والتبادل العلمي والثقافي بين الشعبين الكويتي والصيني. هذا بالإضافة إلى المنح التعليمية التي تمنحها الكويت سنويا للطلاب الكويتيين للدراسة في الصين.
كما ارتفع حجم التبادل التجاري إلى ما يناهز 200 مليار دولار أميركي خلال الأعوام الخمسة الماضية. وبذلك، خرجت العلاقات التجارية من النطاق الضيق الذي كان ينحصر في النفط، إلى رحاب أوسع. وفي عهد سمو الشيخ نواف الأحمد حفظه الله ورعاه، تم توسيع نطاق التعاون الاقتصادي بالتركز على القطاع المصرفي المالي، وذلك تقديرا لدور الكويت المحوري في الاقتصاد العالمي وصلابة قوتها المالية.
كما اتسعت رقعة الاستثمارات الكويتية في الصين، إذ تعد الصين من أكثر شركاء الكويت المشجعة على زيادة الاستثمارات الكويتية في الصين، والتي تتسع بشكل مطرد لتبلغ ما قيمته 40 مليار دولار حجم استثمارات في مجالات مختلفة.
نافلة القول، بفضل الرؤية الحكيمة الثاقبة والقراءة الواقعية لحكام الكويت العظام، ارتقت العلاقات الكويتية- الصينية على مستوى الشراكة الاستراتيجية العظمى الشاملة. حيث كان الرهان الاقتصادي والسياسي على الصين رهانا صائبا، بفضل ما تتمتع به الصين من وضع متصاعد في النظام الدولي، ونهضة اقتصادية عظمى وآفاق متطورة ومنفتحة للغاية للانفتاح والتعاون. مقابل ذلك، تعد الكويت شريكا حيويا رئيسيا للصين في تحقيق تطلعاتها الاقتصادية والسياسية دوليا وإقليميا، لاسيما في سياق مبادرة طريق الحرير.