الكويت… خطة لذتوطين الأموال وكبح التحويلات
تدرس الحكومة الكويتية مسارات عدة “لتوطين الأموال” في السوق المحلية، وزيادة نسبة الإيرادات غير النفطية، بينها بدائل لفرض رسوم على التحويلات المالية للخارج، وذلك بهدف إعادة توجيه هذه الأموال إلى الأنشطة الاقتصادية المحلية، مع توفير المحفزات الاستثمارية اللازمة لتعزيز هذا المسار، ما طرح تساؤلات حول مدى إيجابية توجه كهذا، وإمكانية أن يؤدي إلى مردود اقتصادي عكسي.
ويعزز من أهمية الملف أن الإيرادات غير النفطية المتوقعة من الناتج المحلي الكويتي ستبلغ نحو 4% فقط بنهاية العام الجاري، بحسب بيانات رسمية لوزارة المالية، بينما يتمثل الهدف بالوصول إلى 10% عام 2030.
ووفق بيان نشرته الوزارة، في يوليو/تموز الماضي، فإن الحكومة تعمل على مضاعفة الإيرادات غير النفطية لتصل إلى 4 مليارات دينار (13.09 مليار دولار) في ميزانية 2027 / 2028.
ويرى المؤيدون للتوجه الحكومي الكويتي أن فرض ضرائب على التحويلات المالية يمكن أن يساهم في تعزيز الإيرادات غير النفطية، ما يساعد في معالجة العجز المالي وتشجيع الاستثمار المحلي، بما يدعم التنوع الاقتصادي، ويوفر فرص عمل للكويتيين، بينما يحذر المنتقدون من أن مثل هذه الضرائب قد تأتي بنتائج عكسية، خاصة في اقتصاد يعتمد على العمالة الأجنبية.
فالضرائب على التحويلات المالية قد تشكل عبئاً على العمال ذوي الدخل المحدود، وتدفع بالعمالة الماهرة إلى البحث عن فرص في دول أخرى، كما قد تؤدي إلى ظهور قنوات غير رسمية لتحويل الأموال، مما يُضعف الإيرادات المتوقعة من هذه السياسة، وفقاً لما أورده تقدير نشره موقع معهد أميركان إنتربرايز في 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
قنوات محدودة
تعليقاً على تلك الخطوة، يشير الخبير الاقتصادي، محمد رمضان، لـ”العربي الجديد”، إلى أن الاتجاه الحكومي يعود إلى حقيقة مفادها أن قنوات الاستثمار في السوق المحلية تشهد محدودية واضحة، حيث يقتصر الطرح العام على عدد محدود من الشركات المتاحة للاكتتاب، لافتاً إلى بروز إشكالية أساسية تتمثل في دور القطاع الخاص.
ووفق رمضان، فإن القطاع الخاص يفترض أن يكون المحرك الرئيس لتوليد الفرص الاستثمارية للمواطنين، دون تدخل حكومي في تفاصيل هذه العملية، لكن الواقع لا يسير على هذا النحو.
كما أن الأداء العام للسوق الكويتية يتسم بالضعف، حيث لا يتناسب حجم الفرص المتاحة مع القدرات الاستثمارية للمواطنين، ولا يستوعب حجم السيولة المتوفرة لديهم للاستثمار، حسبما يرى رمضان.
أما في قطاع البنوك، فيظهر المشهد أكثر إيجابية، حيث يلحظ الخبير الاقتصادي أداء جيداً في أسهم البنوك الكبرى، مؤكداً أن محافظ المواطنين الاستثمارية تتركز معظمها في أسهم هذه المؤسسات المصرفية.
أثر إيجابي
يؤكد الاقتصادي بشركة استشارات في لندن، علي متولي، لـ”العربي الجديد”، أن الجهود المبذولة في الكويت تمثل خطوة استراتيجية نحو التنوع الاقتصادي والاستقرار المالي، إذ يعد توجيه رأس المال المحلي نحو الاقتصاد الوطني بديلاً عن استثمار المواطنين أموالهم في الخارج.
ويتجلى الأثر الإيجابي لهذا التوجه في تحفيز النمو بالقطاعات غير النفطية، مثل التكنولوجيا، والرعاية الصحية، والبنية الأساسية، مما يخلق فرص عمل ويعزز الابتكار، كما يشير متولي، مضيفاً أن خطوات التوجه الكويتي تتوافق مع مبادرات مجلس التعاون الخليجي، الرامية إلى الابتعاد عن الاعتماد على الهيدروكربون وتنويع الاقتصاد.
وتبرز أهمية الحوافز المتنوعة في تعزيز جاذبية الاستثمارات المحلية، حسب متولي، الذي يوضح أن الإعفاءات الضريبية وتخصيص الأراضي والأطر التنظيمية المبسطة تدعم التنمية المستدامة التي تسعى إليها الكويت، أسوة بدول المنطقة.
غير أن هذه التدابير تتطلب دراسة متأنية لتجنب التشوهات الاقتصادية المحتملة والتأثيرات الاجتماعية السلبية، وفق متولي، الذي يلفت إلى أن الرسوم المرتفعة على تحويلات المغتربين قد تؤثر سلباً بدورهم الحيوي في سوق العمل الكويتي، ومساهمتهم في النشاط الاقتصادي.
فسياسات تشجيع الاستثمار المحلي تتطلب الحذر من المبالغة في الترويج لها، حسب متولي، الذي يحذر من أن تؤدي سياسات كهذه إلى نشوء “فقاعات في الأصول”، أو سوء تخصيص الموارد، ما لم تكن مدعومة بتحليلات قوية للسوق وضمانات كافية.
ويشدد الاستشاري الاقتصادي على ضرورة تحقيق التوازن بين التنوع الاقتصادي والعدالة الاجتماعية والشمول المالي، مستشهداً بتجارب دول المنطقة كالسعودية وقطر، ويخلص إلى أن المشكلة في الكويت لا تكمن في غياب الخطط، بل في التطبيق والإرادة السياسية.