الكتاب الأحمر.. دستور تركيا السري
كتب علي أسمر, في “العرب” :
الكتاب الأحمر من أهم الكتب السياسية منذ العهد العثماني حتى يومنا هذا. يحتوي الكتاب أسرار الدّولة التركية ويضمّ كافة التّدابير الأمنيّة السرية تجاه أي تهديد داخلي أو خارجي بالنسبة إلى تركيا.
توجد مقولة في اللغة التركية تقول “الجغرافيا قدر”، وقدر تركيا أن تكون بين الشرق والغرب بين آسيا وأوروبا، وهذا الموقع الجيوسياسي المميز يُوقِعُ على عاتقها الكثير من التحديات الإقليمية والدولية، مما دفع المسؤولين الأتراك منذ زمن بعيد إلى صياغة الكتاب الأحمر الذي يمثل وثيقة سياسة الأمن القومي التركي الذي يقول عنه البعض إنَّه دستور تركيا السري، ويعود تاريخ الكتاب الأحمر إلى عام 1949، حيث اجتمعت الهيئة العليا للدّفاع الوطني في أنقرة آنذاك لتطوير وتحسين القدرات الدّفاعية للدّولة التركية. وضمّت الهيئة حينها سبعة عشر شخصاً من المدنيّين إلى جانب رئيس هيئة الأركان، ولهذا يعدّ الكتاب الأحمر من أهم الكتب السياسية منذ العهد العثماني حتى يومنا هذا. يحتوي الكتاب أسرار الدّولة التركية، وكافة التّدابير الأمنيّة السرية تجاه أي تهديد داخلي أو خارجي بالنسبة إلى تركيا.
قبل أيام قليلة أصدر الرئيس رجب طيب أردوغان لأعضاء حكومته، تعليمات جديدة بخصوص تحديث هذا الكتاب على جميع الأصعدة، بسبب التطور السريع للأحداث داخل تركيا وخارجها، حيث لم يحدّث محتواه منذ عام 2019، وخلال هذه السنوات شهدنا تهديدات جديدة كجائحة كورونا وغيرها، ولهذا قررت القيادة التركية بدء الدراسات والمشاورات لتحديث بنود هذه الوثيقة بما يتناسب مع التحديات الحالية.
في تقديري سيتم إدخال موضوع جائحة كورونا والأمراض المعدية إلى الكتاب الأحمر، بسبب خطورتها وصعوبة التعامل معها، ولاسيما أن الصحة العالمية تحذر الآن من مرض جديد “X” سيغزو العالم، وسيكون أقوى من فايروس كورونا على حسب قول البعض، ولهذا يجب أخذ تحذيرات الصحة العالمية بعين الاعتبار لمكافحته بأقل الخسائر في حال انتشاره في تركيا والعالم. الأمر الآخر هو ملف الزلزال، فكما نعلم أن مدينة إسطنبول مهددة منذ زمن طويل بزلزال مدمر كما حصل في المدن الجنوبية، ونظرا إلى أهمية إسطنبول السياسية والاقتصادية والسياحية يجب أن تكون الدولة مستعدة لهذا التهديد عبر إستراتيجيات وخطط ستكتب في وثيقة الأمن القومي التركي.
بالإضافة إلى هذه الملفات، أعتقد أن تتم إضافة موضوع العنصرية لأول مرة في هذا الكتاب، بسبب تناميها ضد العرب والأجانب في الشارع التركي، وبسبب السلوك غير المسؤول من بعض السياسيين الأتراك الذين يحاولون الضغط على الحزب الحاكم من خلال استخدام ورقة اللاجئين، حتى أنَّ بعض القوى عملت على ضرب السياحة في بعض المدن من خلال خطاب عدائي على مواقع التواصل الاجتماعي، ولهذا تكلم الرئيس أردوغان عن هذا الموضوع قائلا “لن نقبل مطلقا أن يطال أي شخص سوء، بالقول أو بالفعل، بسبب أنه أجنبي أو يتحدث لغة مختلفة أو بسبب الحجاب واللحية أو أي شيء آخر، وكل من يتورط في الإساءة لأحد سيعاقب”.
الحرب الروسية – الأوكرانية لفتت نظر العالم إلى موضوع الحبوب، والأمن الغذائي، لذلك أعتقد إضافة ملف الأمن الغذائي إلى وثيقة الأمن القومي، حيث كنا على وشك مجاعة عالمية، بسبب توقف تصدير الحبوب الأوكرانية والروسية إلى دول العالم، لهذا يجب على تركيا أن تقوم بتقوية أمنها الغذائي، ومن التحديات الكبيرة التي ستأخذ حيزا من الكتاب نجد الحرب الاستخباراتية، فمنذ سنوات وجهاز الاستخبارات التركي يكافح نشاطات بعض الأجهزة الأجنبية كالموساد الإسرائيلي، الذي حاول استهداف شخصيات عربية وفلسطينية، ولكن المخابرات التركية كانت له بالمرصاد وبسبب الموقف التركي الداعم للقضية الفلسطينية ولغزة كثفت إسرائيل عملياتها في تركيا ولكن صدمت بالواقع، حيث أصبح تفكيك خلايا الموساد في تركيا شيئا طبيعيا وسهلا للأمن التركي، وهذا ما أصاب إسرائيل بالدهشة والاستغراب.
الأمر المهم أيضا هو التطورات على الحدود التركية – العراقية – السورية، حيث منذ قرابة السنة وحزب العمال الكردستاني يحاول إنشاء ممر إرهابي بين شمال العراق وشمال سوريا، ولهذا سيكون لكل هذه التنظيمات نصيب من هذا الكتاب السري، فتركيا تتابع استهداف هذه التنظيمات وتم مؤخرا استهداف المناطق الحيوية للطاقة لديها، ومن الممكن أن تكون هذه الخطوة إستراتيجية جديدة في هذا الكتاب تجاه هذه المنظمات.
أعتقد أنه يجب التركيز على ملف الكيان الموازي (جماعة فتح الله غولن) لكي لا يتكرر الانقلاب الفاشل في 15 تموز 2016 فالسبب الذي أدى إلى حدوث هذه العملية الانقلابية هو عدم التركيز على مثل هذه التهديدات في الكتاب الأحمر سابقا، طبعا لا نستطيع أن ننسى ما يحصل في شرق المتوسط وإقليم ناغورني قرة باغ وليبيا والصومال والتطورات في القارة الأفريقية، كل هذه الموضوعات سوف يكون لها نصيب بين سطور الكتاب الأحمر، وبسبب تقدم التكنولوجيا يجب تحديث موضوعات الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي وتقنية البلوك تشين والعملات المشفرة التي أصبح بعضها أداة لغسيل الأموال المشبوهة.
تعرف المجتمع العربي والغربي لأول مرة على الكتاب الأحمر من خلال الدراما التركية في المسلسل الاستخباراتي المعروف بـ“وادي الذئاب”، حيث طرح المسلسل قصة هذا الكتاب من خلال بطله رجل المخابرات التركية مراد علم دار، وأعتقد أن طرح هذا الموضوع في مثل هكذا مسلسل تم انتشاره عربيا وعالميا هو رسالة تركية مبطنة ومغزاها أن تركيا بالمرصاد لأي تهديد ممكن من أي جهة، وفي أي وقت.