رأي

القوى الغربية.. والتراجع الديموقراطي في العالم

كتبت د. نورة صالح المجيم, في “القبس”:

لم يخلُ أية تقرير من المؤسسات العالمية المعنية بالديموقراطية منذ 2015 من الإشارة إلى حالة التراجع الديموقراطي اللافت في العالم. إذ كل عام تنضم دولة جديدة إلى قائمة التراجع الديموقراطي، لكن المفارقة العجيبة أن القائمة بدأت تضم دولاً أوربية عدة مثل المجر وبولندا، والمفارقة الأعجب أن الولايات المتحدة باتت تُدرج في قوائم بعض تلك المؤسسات.
وبصفة عامة أجمعت تلك المؤسسات الحيادية تماما التي تعتمد على مؤشرات دقيقة؛ أن العالم برمته بدأ يدخل ما يسمى «عصر الاستبداد» أو النكوص الحاد للديموقراطية. ويعد التراجع الديموقراطي في العالم من الموضوعات التي أصبحت تنال قدرا كبيراً من التركيز من الجماعة العلمية في العالم. فهي ظاهرة محيرة ومخيفة في الوقت ذاته، وعلى إثر ذلك برزت اجتهادات عديدة لتأصيل أو فهم تلك الظاهرة الشائكة.

واحد من تلك الاجتهادات قد ربط بين التراجع الديموقراطي وبروز ظاهرة اليمينية الشعبوية. والأخيرة خلال العقد الماضي قد اجتاحت مناطق كثيرة في العالم بما في ذلك الولايات المتحدة مع ظهور ترامب في المشهد الذي يرمز له بزعيم الشعبوية في العالم الغربي. والشعبوية بصورة عامة عادة ما ترتبط بزعيم كاريزما كمودي في الهند، ولولا داسيلفا في البرازيل، وبرلسكوني في إيطاليا، وفيلدرز في هولندا، وترمى إلى إحلال النظام الديموقراطي القائم برمته ولا سيما مؤسساته التي تراها سبب التدهور والفساد العام في البلاد.

منظور آخر هام قد عزا التراجع الديموقراطي إلى عوامل اقتصادية–اجتماعية كامنة في المجتمع. ففي الهند مثلا، أرجع أنصار هذا المنظور التراجع الديموقراطي إلى نسبة الفقر والأمية العالية، وتفشى النعرة القومية، وتلك العوامل بدورها تجعل الاهتمام الشعبي بالديموقراطية متدنياً للغاية، وتمهد الطريق للاستبداد. وأسوة بذلك، في بعض دول الربيع العربي، حيث نسبة الفقر العالية قد جعلت التركيز الشعبي على الاقتصاد حتى في ظل وجود استبداد يلبي الحد الأدنى من احتياجات المعيشة الضرورية.

رغم وجاهة تلك المنظورات والاجتهادات وغيرها، فإنها مجرد كاشفة لأعراض ظاهرة أكبر وهي التراجع الديموقراطي في الديموقراطيات الغربية، والتراجع الغربي عن دعم الديموقراطية في العالم بصورة عامة. ورغم غرابة هذا المنظور، فإن تشريح ظاهرة التراجع الديموقراطي في العالم تاريخياً وعملياً، يدعم حقيقة هذا المنظور.

في سبعينيات القرن الماضي وحتى بداية الألفية الجديدة، ازدهرت بقوة وبسرعة كبيرة ما يسمى «الموجة الثالثة» للديموقراطية، إذ تحولت ما يقرب من 150 دولة في العالم إلى الديموقراطية لكن بدرجات متفاوتة. وعند تفسير ذلك، جاء الاهتمام الغربي بقيادة الولايات المتحدة –بغض النظر عن الأسباب كمقاومة الشيوعية مثلا– في المقام الأول.

والعكس صحيح، فموجة التراجع الديموقراطي التدريجية في العالم مع بداية الألفية، تعزى في المقام الأول إلى تراجع أهمية نشر الديموقراطية والتحول الديموقراطي في أجندة القوى الغربية وخاصة الولايات المتحدة. وذلك تحت وطأة أسباب عديدة من بينها، ظهور تحديات قوية مثل الصعود الصيني، تنامى خطر الإرهاب وحتمية التعاون مع الدول السلطوية. إذ على سبيل المثال، بفضل احتياج واشنطن للهند في مقاومة الصين، تغاضت بصورة كبيرة عن التحول للاستبداد الكبير هناك بقيادة مودي. خلاصةً العالم يعيش على أعتاب عصر استبداد لا لبس فيه، وسيدعم ذلك البروز القوي الظاهرة الترامبية الشعبوية في الولايات المتحدة، الداعمة للانعزال والمصالح الاقتصادية على حساب القيم المعيارية كنشر الديموقراطية. إلى جانب ذلك، فإن النموذج الديموقراطي والليبرالي بصورة عامة قد أصبح مرفوضاً شعبياً بصورة متنامية في الديموقراطيات الغربية، لأنه قد جلب تفاوتا اجتماعيا وطبقيا هائلا، والملايين من المهاجرين والأقليات التي باتت تشكل تهديدا مرعبا للهوية الغربية.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى