القمة الخليجية… التحديات الكبرى والتوازن الذكي

كتب د. عبدالله سهر في صحيفة الراي.
انعقدت القمة الخليجية–الأميركية في ظل تقلبات وتحوّلات دولية تُشكّل في مجموعها تحديات جسيمة تواجه جميع دول العالم دون استثناء. ولعل أبرز هذه التحديات يتمثل في:
1 – تنامي قوة «التنين الصيني» في مواجهة «النسر الأميركي»، في سباق محموم على صدارة النظام الدولي.
2 – التداخل المتزايد بين التكنولوجيا والعلاقات الدولية، وما لذلك من أثر بالغ على السياسات، خصوصاً في ميادين الأمن السيبراني والمعلوماتي.
3 – تداعيات «طوفان الأقصى» وازدياد الأطماع الصهيونية في ظل ضعف وتشتت عربي وإسلامي عام.
4 – تقلبات اقتصادية كبرى قد تدفع الدول لإعادة النظر في هياكلها الاقتصادية والبحث عن مصادر بديلة للدخل القومي.
5 – تنامي دور الفاعلين من غير الدول، ودخولهم إلى مسرح التأثير السياسي.
6 – اختلال التوازن في التحالفات التقليدية، مقابل صعود الأحلاف الاستخباراتية.
إلى جانب ذلك، تُضاف التغيرات الجيوسياسية الناتجة عن أحداث «مناطق الرمال المتحركة» في كل من سوريا، العراق، السودان، اليمن، ليبيا، وفلسطين. كما لا يمكن إغفال مسار المفاوضات الأميركية–الإيرانية، التي قد تقود المنطقة إمّا إلى شفير الهاوية أو إلى بوابة الاستقرار.
في ضوء هذه السياقات، تكتسب القمة الخليجية–الخليجية، وكذلك القمة الخليجية–الأميركية، أهمية استثنائية، لكونها تسعى إلى رسم معالم جديدة لعلاقات إقليمية تتناسب مع مرحلة عالمية تشهد تحوّلًا في بنيتها الهيكلية. فمع هذا النسيج المعقد من المتغيرات، لم يعد هناك شيء ثابت، مما يفتح الباب أمام ظهور سيناريوهات متعددة، لكل منها معادلاته الإستراتيجية.
في ظل هذا الواقع المتشابك والمتعدد الأبعاد، لا خيار أنسب من تبني سياسة التوازن الذكي بين القوى الكبرى. فالتوازن في العلاقات بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، في تقديري، هو المسار الأمثل لدول مجلس التعاون الخليجي. فالتوازن:
1 – يُعزّز من قوة التفاوض الخليجية.
2 – يُحفّز القوى الكبرى على تقديم أفضل البدائل.
3 – يُخفّف من وطأة الضغوط السياسية والاقتصادية.
4 – يفتح الباب أمام علاقات أكثر استقراراً مع إيران.
5 – يحدّ من الغطرسة الصهيونية الساعية إلى فرض الهيمنة على بعض الدول العربية وعلى الفلسطينيين.
6 – كما يُتيح إمكانيات فرض تسويات تراعي الحقوق والمصالح العربية.
7 – يُعزّز من المنظومة الأمنية الخليجية.
ويبدو أن دول الخليج قد بدأت بالفعل في السير نحو هذا النهج المتوازن، رغم ما قد يواجهه من ضغوط في بداياته. إلا أن هذا المسار من شأنه أن يُحقّق الاستقرار للمنطقة، ويُعزّز من أهميتها الإستراتيجية، ويُضاعف من قدراتها التفاوضية، ويدفع بها إلى لعب أدوار أكثر فاعلية في الوساطات وتسويات النزاعات.
وما يمكن التأكيد عليه هو أن دول مجلس التعاون قد أصبحت اليوم أقوى من أي وقت مضى، وأضحت وجهة للقوى العظمى والإقليمية لتسوية خلافاتها. فقد شهدنا ذلك في اللقاء بين الولايات المتحدة وروسيا حول أوكرانيا في مارس الماضي، وفي المفاوضات الأميركية–الإيرانية في سلطنة عُمان، وفي الوساطة السعودية بين الهند وباكستان، ومفاوضات وقف إطلاق النار بين الكيان الصهيوني وحماس في الدوحة، فضلاً عن التاريخ الدبلوماسي الثري لدولة الكويت في هذا المضمار.
نأمل أن تستثمر دول الخليج هذه الفرصة التاريخية التي يتيحها النظام العالمي، لتُعيد تموضعها الإستراتيجي بما يخدم أمنها ومصالحها، ويُعزّز حضورها في صياغة معادلات الإقليم والعالم.