رأي

القضية القانونية للاعتراف بالدولة الفلسطينية

كتب فادي فرحات في صحيفة العرب.

الحجج القانونية المعارضة للاعتراف بالدولة الفلسطينية بموجب القانون الدولي العام تبدو غير مقنعة.

الأسبوع الماضي أوفى رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بتعهّد قطعه حزب العمال منذ فترة طويلة، بالاعتراف رسميا بدولة فلسطين. وتهدف هذه الخطوة إلى تحفيز جهود متجددة نحو حل الدولتين، اعتمادا على حدود ما قبل عام 1967.

وبعد ظهر الاثنين الماضي حذت أستراليا وكندا والبرتغال وفرنسا حذو المملكة المتحدة. وليس الاعتراف بفلسطين أمرا جديدا في حد ذاته، حيث سبق أن اعترف بها ما يقرب من ثلاثة أرباع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، البالغ عددها 193 دولة. ومع ذلك، يحمل اعتراف المملكة المتحدة أهمية رمزية، لاسيما بالنظر إلى اعتراف فرنسا اللاحق، حيث كان لكلا البلدين دور محوري في رسم حدود الشرق الأوسط الحديث.

مع ذلك، لا يزال الجدل قائما في المملكة المتحدة حول ما إذا كان الاعتراف بفلسطين يتماشى مع القانون الدولي أو متطلبات القانون الدولي العام.

وفي 31 يوليو 2025 أفادت صحيفتا التايمز والإندبندنت بأن حكومة ستارمر واجهت ضغوطا من 38 عضوا في مجلس اللوردات لسحب تعهدها. وكان من بين الذين وقّعوا رسالة إلى اللورد ريتشارد هيرمر، النائب العام لإنجلترا وويلز، محامون بارزون مثل اللورد بانيك. التاريخ الدقيق للرسالة غير واضح، ولكن يُعتقد أنها كُتبت قبل 31 يوليو 2025 بوقت قصير.

وحذّرت الرسالة من أن تعهد رئيس الوزراء بالاعتراف قد يكون غير قانوني، مؤكدة أن فلسطين لا تستوفي معايير الدولة بموجب اتفاقية مونتفيديو لعام 1933، التي تُحدد معايير الدولة قانونيا.

وعلى الرغم من أن المملكة المتحدة ليست من الدول الموقعة على الاتفاقية، إلا أن أحكامها تُعتبر على نطاق واسع بمثابة انعكاس للقانون الدولي العرفي. وتشمل هذه المعايير:

1) وجود سكان دائمين،

2) وجود إقليم محدد،

3) وجود حكومة،

4) القدرة على الدخول في علاقات مع دول أخرى.

وجود “أرض محددة” هو تحديد واقعي قائم على الوضع الراهن، وليس مشروطا بتسوية مطالب سياسية أوسع نطاقا مثل “حق العودة” حتى لو تمسّك بعض الفلسطينيين بها

وجادلت رسالة اللوردات بأن حدود فلسطين غير محددة بوضوح، وتساءلت عما إذا كانت المملكة المتحدة تستطيع الاستمرار في الاعتراف بملايين الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة باعتبارهم “لاجئين” يطالبون بحق العودة إلى إسرائيل، في حين أن الاعتراف يعني أنهم موجودون بالفعل على أراضيهم.

كما سلّطت الضوء على غياب حكومة فلسطينية موحدة، مشيرة إلى الانقسامات بين فتح وحماس، حيث فشلت الأولى في إجراء انتخابات لعقود، وصُنّفت الثانية منظمة إرهابية. وجادلت الرسالة بأنّ أيّا من الطرفين لا يستوفي شرط القدرة على إقامة علاقات مع دول أخرى.

توجد حجج قوية ضد الاعتراف بالدولة الفلسطينية بالاستناد إلى اتفاقية مونتفيديو. وبالمثل، ثمة حجة قوية، على العكس، بتطبيق اتفاقية 1933 نفسها.

الشرط الأول، وهو “السكان الدائمون”، حاضر بوضوح، إذ عاش الفلسطينيون في الضفة الغربية لقرون، ومؤخرا في قطاع غزة أيضا.

يُقيّم شرط “السكان الدائمين” الوارد في اتفاقية مونتفيديو الوجود الفعلي والمستقر للأشخاص داخل منطقة ما، دون مراعاة أي مطالب أوسع نطاقا مثل “حق العودة”.

الجدل حول مدى صحة مطالبات فئات من السكان الفلسطينيين بالعودة إلى مناطق داخل إسرائيل نفسها، سواء نجحت هذه المطالبات أم فشلت، لا علاقة له بتحديد وجود سكان دائمين في الضفة الغربية وقطاع غزة.

ويُظهر السكان الحاليون في هذه المناطق ديمومة واضحة، حتى عند النظر فقط إلى أولئك الذين لا يُطالبون بأي “حق عودة” إلى إسرائيل نفسها.

المعيار التالي هو “الأرض المحددة”. ومن المثير للاهتمام أن الرسالة الموجهة إلى اللورد هيرمر، التي تعلقت باعتراضه الرئيسي حول عدم يقين حدود فلسطين، تخلط على ما يبدو بين المعيار الأول، معيار السكان الدائمين، و”الأرض المحددة” عند طرح السؤال الذي مفاده: “هل يمكن للحكومة الاستمرار في الاعتراف بملايين الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة كـ’لاجئين’ والمطالبة بحق العودة إلى إسرائيل، مع أن اعتراف المملكة المتحدة يعني وجودهم على أرضهم؟”

إن وجود “أرض محددة” هو تحديد واقعي قائم على الوضع الراهن، وليس مشروطا بتسوية مطالب سياسية أوسع نطاقا مثل “حق العودة” حتى لو تمسّك بعض الفلسطينيين بها. علاوة على ذلك، لا علاقة لأي طموحات أو مطالبات مستقبلية للفلسطينيين بالتقييم الواقعي الحالي لوجود أرض محددة. هذه الطموحات، حتى وإن كان تحقيقها غير واقعي عمليا، لا تُقوّض الواقع الحالي للفلسطينيين.

تأكيدات “حق العودة” الفلسطيني لا تُغيّر وضع الضفة الغربية وقطاع غزة كـ”أرض مُحدّدة”

وبالمثل، فإن تأكيدات “حق العودة” الفلسطيني لا تُغيّر وضع الضفة الغربية وقطاع غزة كـ”أرض مُحدّدة”. وقد وصف مجلس الأمن الدولي الضفة الغربية باستمرار بأنها “أرض محتلة”، لاسيما في القرار رقم 2334 (2016)، الذي أدان المستوطنات الإسرائيلية ووصفها بأنها “انتهاك صارخ للقانون الدولي.” وهذا يُؤكّد الهوية الإقليمية الواضحة للضفة الغربية وقطاع غزة كأراض فلسطينية تحت الاحتلال، بغض النظر عن المطالب التي لم تجد حلّا مثل “حق العودة”.

وذكرت محكمة العدل الدولية، في رأيها الاستشاري الصادر في يوليو 2004، أن إسرائيل تحتل الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية. كما أشارت المحكمة العليا الإسرائيلية إلى الضفة الغربية (أو يهودا والسامرة) بأنها تحت “احتلال حربي”.

“الاحتلال الحربي” مصطلح قانوني دقيق في القانون الدولي، يختلف عن الاستخدام الصحفي. دُوِّن لأول مرة خلال مؤتمري لاهاي للسلام عامي 1899 و1907، اللذين أصدرا اللوائح الملحقة باتفاقية لاهاي الرابعة بشأن قوانين وأعراف الحرب البرية. ووُسِّع هذا الإطار لاحقا في اتفاقيات جنيف لعام 1949، ولاسيما الاتفاقية الرابعة التي تُركِّز على حماية المدنيين في زمن الحرب.

وهكذا، فإن لفلسطين “أرضا محددة”، وهي مُتعارف عليها عموما بأنها الضفة الغربية وقطاع غزة على طول حدود ما قبل 1967.

تُجادل إسرائيل في هذا مُدّعية أن اتفاقيات جنيف لا تنطبق إلا على الأراضي المُستولَى عليها من دولة ذات سيادة في نزاع مُسلّح. وبما أن الضفة الغربية وقطاع غزة لم يكونا أرضا ذات سيادة عام 1967، حيث استولت على الأرض في نزاع مسلح بملكية شاغرة من الانتداب البريطاني السابق، وقبل ذلك، من الإمبراطورية العثمانية المنحلة، تُجادل إسرائيل بأنه لم تكن هناك سلطة سيادية مُنزَعة، وبالتالي لا يوجد ادعاء قانوني أقوى من ادعائها الخاص.

ومع ذلك، لم يقبَل هذا الرأي كلّ من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية بل وحتى المحكمة العليا الإسرائيلية. وبالتالي، فإن شرط الأرض المُحددة مُستوفى.

وتتعلق المتطلبات المتبقية بالحكومة والقدرة على نسج العلاقات الدولية، وهي غالبا ما تكون مترابطة. وعلى عكس ادعاءات اللوردات، لا تُحدد اتفاقية مونتفيديو كيفية عمل الحكومة. ولا يمنع غياب الانتخابات الاعتراف بها، وإلا لما استوفت قرابة نصف دول العالم غير الديمقراطية شروط الاعتراف بها.

وتعمل السلطة الفلسطينية، التي تُهيمن عليها حركة فتح، كهيئة إدارية في الضفة الغربية. وهي تتعامل مع إسرائيل في مسائل عملية كالتنسيق الأمني والاستخبارات وتحصيل الضرائب. كما أنها كانت السلطة الموقعة على اتفاقيات أوسلو. ودوليا، تعمل السلطة الفلسطينية ضمن جامعة الدول العربية، وتتمتع بصفة دولة مراقب في الأمم المتحدة، وهو ما يُظهر قدرتها على إقامة علاقات مع الدول الأخرى.

في الختام، بغض النظر عما إذا كان اعتراف المملكة المتحدة مناسبا سياسيا أم لا، فإن الحجج القانونية المعارضة له بموجب القانون الدولي العام تبدو غير مقنعة.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى