رأي

القضية الفلسطينية والحسابات الإيرانية

كتب فتحي أحمد في صحيفة العرب.

شد الرحال إلى الأقصى ليس عبر الوعيد والتهديد من وراء البحار. هذه هي الحالة الإيرانية منذ النكبة والمطلوب من حماس والجهاد الإسلامي أن تعيدا برمجة سياستهما الخارجية بما يتوافق مع الكل الفلسطيني.

لا أدري هل هي زلة لسان أم كلام كان مقصودا عندما صرح نائب رئيس الحرس الثوري الإيراني قائلاً “جاءت أحداث 7 أكتوبر رداً على اغتيال سليماني”، فسرعان ما تم نفي التصريح. لا شك أن طهران تريد أن تشعل المنطقة لدواعي خبيثة، وهي إلهاء العالم، وخصوصا الولايات المتحدة عن مشروعها النووي، لربما وصلت إلى ما تريد في غضون الأشهر الفائتة. هذا نهج إيران في التعامل مع ملفات المنطقة واستغلال كل الثغرات من أجل مصلحتها، لم تكن إيران يوما الحضن الدافئ لفلسطين، وخير دليل على ذلك لم نر منها سوى كلام فارغ لا يترجم على الأرض فعليا، لعلنا نستفيق من هذه الجعجعات فما هي إلا ذر الرماد في العيون.

عملت إيران منذ سنوات طويلة على جعل القضية الفلسطينية مركز جاذبية في خطابها عن المستضعَفين، ودعم عدد من الحركات الفلسطينية السنية مثل حركتَي حماس والجهاد الإسلامي، فبعد انتصار الثورة الإيرانية ووصول المرشد الأعلى الخميني إلى إيران التقى بالرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، كما تم افتتاح سفارة فلسطين محل السفارة الإسرائيلية قبل الثورة، ورغم التوظيف الإيراني الواضح لدعم حماس خلال فترة الحرب، إلا أنّ ثمة غياباً إيرانياً عن جهود إعمار غزة بعد المواجهات العسكرية التي خلَّفت خسائر بشرية ودماراً واسعاً في القطاع، على نحو يطرح تساؤلات عدة حول أبعاد الموقف الإيراني من هذه المواجهات العسكرية الأخيرة، وتأثيراته على مسارات التصعيد مع إسرائيل والولايات المتحدة خلال المرحلة القادمة. تعلم طهران أن لعب أي دور ريادي في القضية الفلسطينية يعني بالضرورة لعب دور كبير في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يتلاءم مع رغباتها وأهدافها الجيوسياسية الأوسع في إطار صراع القوى في الإقليم.

ليس هذا فحسب، بل ستتمكن إيران أيضا من خلال دعم القضية الفلسطينية من تكوين منظومة تحالفات تربط طهران بالعراق وسوريا ثم لبنان واليمن، وأخيرا فلسطين المحتلة وفي حين تعاني غزة من القصف الإسرائيلي لم تتحرك أي من تلك الإستراتيجيات الإيرانية المعلنة لرفع المعاناة ودعم غزة، والإجابة عما إذا كانت إيران ستحاول التدخل لدعم المحور الذي طالما استثمرت فيه ووظفته في إطار علاقتها بواشنطن من عدمه تتوقف على “هل تواجه إيران اضطرابات في علاقتها بواشنطن أم لا؟”.

وعن الصراع الإيراني – الإسرائيلي، يقول إنّ “إيران أخذت موقع المواجهة مع إسرائيل بعد العام 1979، وملأت الفراغ الذي تركه الانسحاب العربي من ذلك الصراع حينما توجّهت مصر نحو السلام”. وتطوّرت في إيران أيديولوجيا تدعم فلسطين من جهة، وتدافع عن مصالح خارجية معيّنة من جهة أخرى. وبمعنى أبسط، فإن إيران ملأت الفراغ الإقليمي وحقّقت مصالحها الخارجية.

ومما يدعم فكرة أن ما يحصل ليس عفويًا حيث تقوم فكرة النظام الحاكم في طهران على تلازم مسارين في طريقة التعامل مع القضية الفلسطينية: الأول، هو التعاطف الإسلامي مع قضية فلسطين باعتبارها “قضية إسلامية”، وهو أمر حرص عليه المنتمون إلى تيار الإسلام السياسي الإيراني منذ أربعينات القرن الماضي حتى اليوم.

أمّا المسار الثاني، فهو الحسابات الجغرافية السياسية لإيران وطموحها التاريخي إلى تولّي دور “المرجعية الإقليمية”، عبر توجيه القضية الفلسطينية في مسار معين وفق مقتضى هذه المصالح الوطنية الإيرانية وتوازنات القوى الإقليمية.

شد الرحال إلى فلسطين والأقصى ليس عبر الوعيد والتهديد من وراء البحار، هذه الحالة الإيرانية منذ النكبة حتى اليوم، المطلوب فلسطينياً وبالأخص من حماس والجهاد الإسلامي أن تعيدا برمجة سياستهما الخارجية جيدا بما يتوافق مع الكل الفلسطيني، وبعد تجربتهما الأخيرة ينبغي عليهما ترك توجههما نحو طهران، فالتاريخ دليل وخير مفسر، لا إيران ولا أذرعها الشيعية حريصة على فلسطين، فالدعم المالي الإيراني لا يساوي شيئا، نحن بحاجة إلى دعم سياسي وموقف صلب يلبي طموحاتنا، فالطموح الإيراني هو إتمام مشروعها النووي على حساب قضايا المنطقة، وخصوصا القضية الفلسطينية.

ثمة إستراتيجيات عدة تسعى طهران لتحقيقها لنفسها وهي تنفيذ برنامجها النووي، وتقديم كل الدعم للحكومات العراقية الموالية لها لاستعادة السيطرة على المناطق السنية، والبقاء في سوريا إلى وقت غير معلوم، والتدخل السافر في لبنان من خلال حزب الله. هذه سياسة إيران المكشوفة فلا داعي لغض البصر عنها، ولكن كان ذلك جانبا واحداً من الصور التي ترسمها طهران من أجل مستقبلها ومستقبلها فقط.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى