شؤون لبنانية

القصيفي: لعلاقة تفاعلية بين نقابات المهن الحرة والاعلام..

ألقى نقيب محرري الصحافة اللبنانية جوزف القصيفي كلمة في مؤتمر: “تأثير الاعلام في نقابات المهن الحّرة” في بيت المحامي، جاء فيها:

لنقابة محامي بيروت الشكر والامتنان على دعوتها لهذا اللقاء الذي يضم نقباء المهن الحرة في لبنان للحديث عن تأثير الاعلام في هذه النقابات التي تمثل النخب المتقدمة في المجتمع، وتؤدي أدواراً وطنية ومهنيّة تسهّم في تطّوره وانمائه. لكن استميح لجنة النشرة والاعلام المنبثقة من النقابة إذا قلت أن العنوان الذي إقترحته للقاء لا يفي بالغرض، ولا يحدّد موضوعاً هادفاً يمكن أن يخرج منه المنتدون بخلاصات واضحة تنظّم العلاقة بين نقابات المهن الحرة والاعلام.
إننا في هذه النقابات نستخدم العلم والمعرفة لاستثمارهما في الانسان الذي هو غاية نضالنا، هذا النضال الذي يرمي الى تحقيق كمال ما نصبو إليه. وأجد أنه كان من الافضل لو أبدلنا هذا العنوان بآخر:”العلاقة التفاعليّة بين الاعلام ونقابات المهن الحرّة”. فمساحة الاعلام تنسحب على إمتداد الكرة الأرضية، ووظيفته أن ينقل كل نشاطات المجتمع الانساني، وحركة الطبيعة وتحوّلاتها، والاختراعات الحديثة، وأن يضعها في تصرّف البشرية للانتفاع بها. وللاعلام قدرة عجيبة على القيام بمهمات متنوعة، متناقضة، بناءة، هدامة في آن. وهو احياناً يكون الجلاد أو الضحيّة ، أو الشاهد المحايد، أو الشاهد “يللي ما شافش حاجة”.
من هنا مصدر خطورته، وسّر قوته، ومدى تأثيره على المجتمع الانساني في أيّ زمان ومكان.
وبالعودة الى موضوع اللقاء، فمن نافل القول أن للاعلام تأثيراً في نقابات المهن الحرّة، كما في كل مناحي الحياة. فهو ينقل أخبارها، ويواكب نشاطاتها، ويعكس حقيقة الرسالة التي تحمل رايتها. كما أنه يمكن ان يسلط الضؤ على سلبيات يشوب أداءها، وتجاذبات تؤثر على فاعليتها. ولكن هذا التأثير مشابه لايّ تأثير يطاول كيانات أخرى غير نقابية، خصوصاً إذا كان الهدف الاستعلام وإعلام الناس.
المطلوب أن نعمل على علاقة تفاعلية بين نقابات المهن الحرة والاعلام، لان مثل هذه العلاقة تطرح المشكلات الجادة التي تعاني منها هذه النقابات، والقطاعات التي تمثلها في المجالات القانونية، الطبيّة، الهندسية والصيدلة وسواها. علاقة أشبه بالاوعية المتصلة التي تتكامل دورة عملها، فتؤدي وظيفتها على نحو مدروس ومركزّ وهادف.
وإذا كان على الاعلام أن يواكب نشاطات المهن الحرّة، ويبرز ما تقوم به، وأن يذهب أحياناً الى ما يمكن إعتباره سلوكاً ملتبسا تجاهها، فأن واجب القيمين على القطاع والنقابات أن يعوا أن ثمة ما يجمعهم، وهو توعيّة الرأي العام على واجباته ومسؤولياته والكثير من المخاطر الناجمة عن الاستنسابية في التعاطي مع موضوعات علميّة إستناداً الى شائعات وخرافات وأحاج.
إن التواصل هو اكثر من ملح بين الهيئة الاعلامية: أيّ مجموع الصحافيين والاعلاميين الذين يمارسون المهنة باحتراف، وبين الأجهزة المختصّة المنبثقة من نقابات المهن الحرة، لتقصي المعلومات الصحيحة والدقيقة التي تتعلق بأمور طارئة من شأن تداعياتها أن تهدّد أمن المجتمع وحياة الانسان، وذلك في حالات: الأوبئة وانتشارها وسبل الحدّ منها، الهزات الارضية وكيفية التعامل معها ومع إرتداداتها، والادوية ووجوب عدم الاستنساب في تناولها، وألاّ تكون الوصفة الطبية نصيحة جار، او تجربة صديق. كذلك في مجال القانون يجب ألاّ يكون المرجع إلاّ محام ملم به، ومحيط بعالمه، فلا يكون التعاطي إنطلاقاً من أن هذا الاختصاص ، وتفسير مواده، هو مجرد وجهة نظر.
اجل. من هذا المنطلق يجب النظر إلى تأثير الاعلام في نقابات المهن الحّرة. إنه تأثير متبادل يجسد العلاقة التفاعلية التي يفترض أن تقوم بين الطرفين، طالما أن حقل عملهما خدمة الانسان وتحصين المجتمع.
إن اكتفاء الاعلام بتغطيّة نشاطات النقابات: انتخاباتها، إحتفالاتها، ندواتها لا يفي بالغرض، والمطلوب أن يتعدى ذلك الى برامج توعيّة مشتركة يستحقها الرأي العام الذي لم يعد يجد في معظم برامج التلفزيون والاذاعات ما يروي عطشه الى المعرفة والتثقف واغناء معلوماته، بعد فورة المسلسلات المحلية والاجنبية المدبلجة التي – على أهميتها – لا يمكن أن تحلّ مكان البرامج التي تتصّل بالشؤون العامة ذات العلاقة بقضايا الانسان والمجتمع.
إن التفاعل القائم بين وسائل الاعلام على تنوعّها وإختلافها وبين نقابات المهن الحرة، هو دون المستوى المرتجى، وغالباً ما يتم “بالقطعة”، أو حسب المناسبة، وتسوسه أحياناً المصلحة الاعلانية، أو الغاية التجارية. ولم يرق التعاون إلى المرتبة المؤسساتيّة، ممّا يعني أن تأثير الاعلام في النقابات ناتج من حجم التغطيّة الإخبارية التي يوفرها، ايجابية كانت او سلبية. أيّ أنه يقوم على علاقة أفقية لا عامودية، ولا يغوص عميقاً في الادوار التي تضطلع بها، وهي أدوار ناظمة لكّل مجالات الاختصاص العلمي والقانوني والاعلامي، وهي الوثيقة الصلة بحركة الحياة.
إن نقابة محرري الصحافة اللبنانية التي نظمت سلسلة من الندوات والنشاطات لمناسبة “ذكرى شهداء الصحافة” تطرقت الى الدور الذي يقوم به الاعلام في خدمة البشرية وإصلاح المجتمع، وثقافة القيم الانسانية الجامعة، وذلك في حمأة الانقلاب الكبير في عالم التواصل بدءاً من وسائط التواصل الاجتماعي وصولاً الى الذكاء الاصطناعي. وكانت الاراء مجمعة على محورية دور الانسان في أي تطوّر يغزو مجالات الحياة. الانسان الذي أوجد الآلة هو أقوى من الآلة وأبقى، وعليه ألاّ يتحوّل الى عبد لها، بل ان يحافظ على سيادته ويخضعها لارادة الخير فيه. نحن خلقنا “نيروننا” واطلقنا عليه تسميات شتى، وعلينا أن ننتزع عود الثقاب من هذا “النيرون” لنحرمه لذة الأحراق، ونضيء به آفاقاً مظلمة تلوح لنا من قريب وبعيد.
ختاماً: الشكر لنقابة المحامين في بيروت، وعلى رأسها النقيب الصديق فادي المصري على استضافتها هذا المؤتمر، وللجنة النشرة والاعلام على تنظيمها وادارتها، مجددين العهد على ترسيخ التعاون بين نقابات المهن الحرة، وتفعيل دورها في عملية الانقاذ الكبرى للوطن. فلبنان يستحق ذلك، واكثر…

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى