الفضول يطور التوصيلات العصبية في دماغ الأطفال
محرك رئيسي لنموهم الإدراكي والفكري
على الرغم من حالة الاختلاف والجدل بين العلماء حول وجود تعريف علمي محدد في علم النفس يفسر معنى الفضول «curiosity» عند البالغين، فإن معظمهم اتفقوا على أن الفضول في الأطفال مختلف عنه في الكبار. ويُعدّ نوعاً من الرغبة الدائمة في التعلم واكتساب الخبرات المختلفة، خصوصاً في مراحل الطفولة الأولى. وهناك عديد من الدراسات التي أوضّحت ضرورة الربط بين تعريف الفضول (حب الاطلاع) وتفسيره بشكل مختلف تبعاً لكل فئة عمرية، وخلفية ثقافية، وحسب سياق بيئة معينة.
فضول الطفولة استكشاف
غالبية الدراسات تعاملت مع الفضول في الطفولة كما لو كان نوعاً من البحث عن معلومات معينة (يمكن أن تكون غير ضرورية)؛ نتيجة لغريزة داخلية ترغب دائماً في المعرفة، خصوصاً في المراحل المبكرة من العمر، لأن كل مفردات الحياة مهما كانت بسيطة تكون بمثابة اكتشاف جديد. وبذلك يكون الفضول المحرك الرئيسي لنمو الطفل الإدراكي والفكري؛ مما يؤدي إلى تطور التوصيلات العصبية «brain synapses» المسؤولة عن التفكير والتفاعل.
ويلعب الفضول دوراً أساسياً في تطوير القدرات الخاصة بالتعلم؛ مثل الذاكرة البعيدة «long-term memory» في المخ، والتفكير النقدي لدى الأطفال. وعلى المدى القصير كلما ازداد فضول الطفل كان أداؤه أفضل بشكل ملحوظ على المستوى الفكري بداية من مرحلة ما قبل الدراسة، مروراً بدخول المدرسة وحتى التخرج فيها.
وبعد البلوغ على المدى الطويل، ثبت أن هذه الصفة (الفضول) تعمل على تحسين قدرات الأفراد على جمع المعلومات، والإدراك، والتقييم بشكل عام.
اكتساب المعرفة
وجد العلماء أن الفضول يدعم ما يُسمى «التعليم العرضي (incidental learning)»؛ لأنه يعزز الاهتمام المدفوع بالفضول بموضوع معين، والاحتفاظ بالمعلومات التي ربما تكون بغير ذات صلة في وقت حدوثها، لكن يمكن أن تصبح مفيدة لاحقاً، مما يساعد على إنشاء شبكة متشعبة لاكتساب المعرفة. وعلى سبيل المثال فإن الفضول في التعرف على طبيعة حيوان أليف يساعد الطفل على التخلص من الخوف منه، واللعب معه.
وخلافاً لتصور الآباء، يجب تشجيع الفضول عند الأطفال بدلاً من تثبيطه، خصوصاً في مراحل الطفولة المبكرة (بالطبع مع حماية الأطفال من المخاطر العضوية التي يمكن أن تصيبهم نتيجة لتجربة كل شيء مختلف مثل اللعب في الأجهزة الكهربائية). وحتى الحوادث البسيطة التي تحدث للطفل نتيجة لبحثه المستمر عن مختلف الأشياء تكون نوعاً من الخبرة الحياتية تحميه من المخاطر مستقبلاً.
وقد أوضحت الدراسات أن الفضول بشأن ظاهرة معينة بالضرورة يؤدي إلى التجريب، والذي بدوره يولد أسئلة جديدة تُعدّ نوعاً من الفضول أيضاً. وعلى سبيل المثال عند سقوط لعبة معينة من يد طفل، في اللحظة التي ينحني فيها شخص بالغ لالتقاط اللعبة يتملك الطفل الفضول بشأن معرفة عدد المرات التي سوف يقوم فيها الشخص بإعادتها له قبل أن يفقد الاهتمام أو يقوم بتعنيفه ونهيه عن ممارسة اللعبة، ما يدفعه لإسقاط اللعبة مرات عدة ليعرف رد الفعل.
وبالمثل يمكن أن يراقب الطفل فراشة لفترة معينة من الزمن، ويتساءل: لماذا كان جناحاها مطويَّين أو مفتوحَين؟ والكيفية التي تطير بها الفراشات، ولماذا تختلف ألوانها؟ مما يجعله يمد يده محاولاً الإمساك بها لاختبار رد فعلها.
وعلى الرغم من الأهمية الكبيرة للفضول في الدراسة والعلوم الأكاديمية النظامية، فإن الفضول يمكن أن يتم توظيفه في البحث عن المعلومات المختلفة بشكل عام بوصفه نوعاً من الاستجابة لعدم اليقين. وهو بذلك يشبه التفكير النقدي الذي يعتمد على الحقائق العلمية المبنية على التجريب بديلاً عن المُسلمات الجاهزة، وهو ما يُسمى «التعلم النشط (active learning)»، وهذا النوع من التفكير يجعل الطفل قادراً على حل المشكلات في المستقبل، واتخاذ القرارات في الأمور المختلفة.
تعلّم المهارات
قال الباحثون إن تطور التفكير العلمي يرتبط بتطور الحواس الخمس، ولكن في الأطفال في الأغلب يتم تثبيط هذه الطريقة من التفكير من خلال النهي عن الفضول والتساؤلات المختلفة، مع العلم أن الأطفال حينما يطرحون أسئلة معينة غالباً ما تؤدي الإجابات التي يحصلون عليها إلى البحث عن مزيد من المعلومات. وتشير الأبحاث إلى أن الأطفال يمكنهم طرح الأسئلة بمعدل يزيد على 100 سؤال في الساعة، وعلى الرغم من أن هذا السلوك ممكن أن يثير غضب البالغين بالطبع، فإنه مفيد جداً من الناحية العلمية. وحسب «الرابطة الأميركية للتقدم العلمي (AAAS)» يُعدّ إلقاء الأسئلة من أهم أدوات التعلم.
يقوم الفضول في الأطفال بدور كبير في البحث عن معلومات معينة، وذلك لأن البالغين يتمتعون بكفاءة في تركيز انتباههم في موضوع معين. ولكن بالطبع هذا التحكم في الانتباه يأتي على حساب فقدان كثير مما يحدث حولهم ولا يرتبط باهتمامهم. وفي المقابل يتمتع الأطفال بمهارة أقل في تركيز انتباههم ولكنهم يميلون إلى استكشاف الأشياء أكثر مما يجعلهم يحصلون على كمية معلومات أكبر.
وعلى سبيل المثال، الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 7 و9 سنوات حينما يدخلون متحفاً معيناً يكون الفضولُ الدافعَ لهم ليروا معظم التماثيل حتى لو لم يتمكّنوا من فهم تفاصيل هذه الأعمال.
ينصح الأطباء بضرورة استثمار فضول الأطفال في تعليمهم المهارات المختلفة، سواء ما يتعلق بالدراسة أو ما يتعلق بالمهارات الحياتية المختلفة، من خلال توفير البيئة التي تحتوي على أشياء تثير فضولهم، وطريقة تعليم تجعلهم يطرحون الأسئلة المختلفة حتى لو كانت متكررة لمعرفة المعلومة بدلاً من تلقينهم إجابات جاهزة.