الغاء زيارة وزير الدفاع الى سوريا خلال اللحظات الأخيرة

في سياق محاولات التنسيق بين لبنان والادارة الجديدة في سوريا، وبعد ان كانت الأنظار اليوم متجهة إلى العاصمة السورية دمشق، حيث سيقوم وفد لبناني رسمي برئاسة وزير الدفاع ميشال منسى بزيارة تهدف إلى مناقشة التصعيد الأمني المستمر على الحدود اللبنانية السورية وايجاد السبل للحد من هذه التوترات، تعزيز التعاون الأمني بين البلدين، ومكافحة التهريب كما اغلاق المعابر غير الشرعية، تم ودون سابق انذار الغاء الزيارة في الصباح بطلب من السلطات السورية. وما زالت الأسباب التي دفعت الى الغاء الزيارة مجهولة، مما يدفع الى طرح التساؤل حول اليوم التالي من العلاقة مع سوريا ومدى فاعلية الجهود الدبلوماسية في حل الأزمات الحدودية بين البلدين، وهل ستؤدي إلى نتائج ملموسة أم أنها مجرد خطوة في إطار إدارة الأزمة؟
فبالرغم من الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي لسوريا وذلك قبل تكليف نواف سلام رئاسة الحكومة الجديدة واللقاء الذي جمع رئيس الجمهورية جوزيف عون مع الرئيس السوري احمد الشرع على هامش القمة العربية في القاهرة، لم تنعكس اي من الزيارتين، لم ينشط مسار حل القضايا العالقة، بل شهدنا المزيد من التصعيد على الحدود بين البلدين.
وبالعودة الى التوترات التي شهدتها الحدود، فالتصعيد لم يكن وليد الصدفة او حادثة عابرة بل له اسبابه وابعاده، فالاشتباكات العنيفة في مناطق عدة، أبرزها بلدة حوش السيّد علي، و تصاعد الصراع الذي ادى الى سقوط عدد من القتلى والجرحى تداخلت فيه عوامل سياسية واقليمية ادت الى تعقيد المشهد، وبينما ساهم التدخل العسكري اللبناني في تهدئة الأوضاع مؤقتًا، لا تزال هناك مخاوف من تجدد الاشتباكات التي تنطوي في ظاهرها على عوامل متعددة، مثل التهريب والصدامات العشائرية اما باطنها فمثقل بأزمات متشابكة قد لا تؤدي الجهود الأمنية وحدها الى فرز عناصرها المتداخلة ومعالجة جذور المشكلة. حيث لا يمكن فصل التوترات الأمنية عن السياق السياسي الأوسع في المنطقة. فالحدود اللبنانية السورية ليست مجرد خط فاصل جغرافي، بل هي نقطة التقاء لمصالح محلية وإقليمية متشابكة. فمن جهة، تتشابك القرى والبلدات بين البلدين بطريقة تجعل من الصعب وضع حدود واضحة، حيث يعيش سكان يحملون جنسيات مختلفة ويخضعون لقوانين متباينة. ومن جهة أخرى، تشكّل هذه المناطق بؤرًا لصراعات نفوذ تتجاوز مسألة التهريب إلى أبعاد أعمق تتعلق بالتوازنات الإقليمية وإعادة رسم خريطة التحالفات في المنطقة، مما يؤدي الى تقليص فرص نجاح لبنان في فرض سيادته على مناطقه الحدودية في ظل هذه التعقيدات، خاصة مع تأثير التطورات السياسية الإقليمية، مثل تعثر الاتفاق الإيراني-الأمريكي، على مستقبل الاستقرار على الحدود اللبنانية السورية.
رغم أهمية التدابير الأمنية، فإن الحلول التقنية مثل بناء الحواجز وأبراج المراقبة قد لا تكون كافية لضمان استقرار طويل الأمد. اذ يأمل المراقبون ان تؤدي زيارة وزير الدفاع ميشال منسى الى تبني لبنان وسوريا مقاربة أوسع تشمل التعاون الجدي بعيدا عن كل الصراعات الاقليمية والعمل لانجاز اتفاق حدودي جديد يأخذ في الاعتبار التداخل الجغرافي والديموغرافي بين البلدين.
كل ما تقدم يبقى رهن رغبة الأطراف المعنية بإمتلاك الإرادة السياسية لتجاوز الحسابات الضيقة بهدف العمل على استقرار شامل في ظل المشهد الحدودي المعقّد.
*رأي سياسي*