العقوبات على روسيا بين ضغوط الاقتصاد ورهانات قمّة ألاسكا

كتب عبد الرحمن أياس, في النهار:
على الرغم من أن الحرب الروسية على أوكرانيا لم تتوقف، تكشف مؤشرات الاقتصاد الروسي عن ضغوط متزايدة تهدد استدامة تمويل المجهود الحربي، حتى وإن لم تصل بعد إلى مرحلة خنق هذا التمويل بالكامل.
مع اقتراب القمة المرتقبة اليوم الجمعة بين الرئيسين الأميركي والروسي دونالد ترامب وفلاديمير بوتين في ألاسكا، يعود النقاش مجدداً حول مدى أثر العقوبات الغربية في الاقتصاد الروسي، ومدى قدرة موسكو على الصمود أو المناورة في ظل هذه الظروف.
على الرغم من أن الحرب الروسية على أوكرانيا لم تتوقف، تكشف مؤشرات الاقتصاد الروسي عن ضغوط متزايدة تهدد استدامة تمويل المجهود الحربي، حتى وإن لم تصل بعد إلى مرحلة خنق هذا التمويل بالكامل.
تشير بيانات إلى أن إيرادات الطاقة الروسية انخفضت بنسبة 20% على أساس سنوي خلال الأشهر السبعة الأولى من 2025، بفعل تراجع أسعار النفط وتنامي صعوبة الالتفاف على القيود الغربية. ومع الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الهند بسبب شرائها النفط الروسي، يزداد الضغط على أحد أبرز منافذ موسكو لتسويق خامها. ويرى يانيس كلوجه، الخبير في الشأن الروسي لدى المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، الذي تحدث إلى صحيفة “أستراليان فايننشال ريفيو”، أن الاقتصاد الروسي أضعف اليوم مما كان عليه في أي وقت خلال السنوات الثلاث الماضية، لكن هذا الضعف لم يُترجَم حتى الآن إلى تغييرات في موقف بوتين من الحرب.
العقوبات لم تقتصر آثارها على قطاع الطاقة، بل طاولت قطاعات أخرى حساسة. شركة الألماس الروسية العملاقة “ألروسا”، مثلاً، سجلت تراجعاً في الإيرادات بنسبة 25% في النصف الأول من العام، وسط ضغوط التضخم وارتفاع تكاليف التشغيل.
أما قطاع الطيران المدني فيعاني تراجعاً حاداً، إذ لم تُسلَّم سوى طائرة تجارية واحدة من أصل 15 كان مخططاً لها في هذا العام بسبب نقص التكنولوجيا وقطع الغيار الغربية، ما يعكس هشاشة القاعدة الصناعية في ظل العزلة التكنولوجية.
تتزامن هذه الضغوط الاقتصادية مع استمرار النزيف العسكري. في تموز/يوليو وحده، تمكنت القوات الروسية من السيطرة على 502 كيلومتر مربع من الأراضي الأوكرانية، وهو معدل تقدم مماثل للشهور السابقة. وعلى الرغم من هذا التقدم الميداني، تتصاعد تكلفة الحرب – مالياً وبشرياً – ما يفرض على موسكو البحث عن مكاسب سياسية تخفف من وطأة العقوبات.
من هنا تأتي أهمية قمة ألاسكا بالنسبة إلى بوتين، فهي في نظره مكسب ديبلوماسي في حد ذاتها: لقاء مباشر مع رئيس أميركي، من دون مشاركة أوكرانية أو أوروبية، وفي غياب تنازلات كبرى تتعلق بأهداف الحرب تتعهدها روسيا مسبقاً. ويعتقد محللون أن بوتين يسعى من خلال القمة إلى الخروج من العزلة، وتجنب عقوبات إضافية، وربما فتح الباب لتسويات تتيح له تحقيق ما عجز عن تحقيقه عسكرياً.
أما بالنسبة إلى ترامب، فتمثل القمة اختباراً لقدرة الضغط الاقتصادي على دفع روسيا نحو تنازلات، وتشكل في الوقت نفسه فرصة لتجنب الانزلاق في مسار عقوبات جديدة قد لا تحقق نتائج ملموسة. فالإدارة الأميركية تدرك أن الاقتصاد الروسي، على الرغم من ضعفه، لا يزال قادراً على التكيف عبر أسواق بديلة كالصين والهند، حتى وإن كانت هذه الأسواق أقل ربحية وأكثر تعقيداً.
ومع أن بعض المؤشرات المالية في موسكو – مثل ارتفاع مؤشر بورصتها المسمى “مو – إكس” – تعكس تفاؤلاً محدوداً بإمكانية تخفيف العقوبات إذا توقفت الحرب، يرى أكثر المحللين أن هذا التفاؤل سابق لأوانه. فالمواقف الغربية، خصوصاً الأوروبية، لا تزال متشددة تجاه أي اتفاق لا يمر عبر موافقة أوكرانية، فيما تصر كييف على أن أي مفاوضات يجب أن تسبقها تهدئة ميدانية أو وقف لإطلاق النار وعلى عدم التنازل عن أراضٍ أوكرانية لروسيا في ضوء أي حل نهائي.
المعادلة إذاً معقدة: عقوبات تضعف الاقتصاد الروسي وتضغط على موارده، لكنها لم تُفقِده القدرة على مواصلة الحرب؛ ورئيس روسي يبحث عن مكاسب سياسية خارج ميدان المعركة؛ ورئيس أميركي يوازن بين تشديد العقوبات وفتح نافذة للتفاوض.
وفي قلب هذه المعادلة، تقف قمة ألاسكا كحدث قد يحدّد مسار العلاقة بين موسكو وواشنطن، ويكشف إن كانت العقوبات ستبقى سلاح الضغط الأهم، أم أنها ستتحول إلى ورقة مساومة على طاولة التفاهمات الكبرى.