رأي

العقل الغائب في فلسطين

ما دام المال اليهودي الصهيوني قادرا على شراء ولاء قوى عظمى كالولايات المتحدة وأوروبا وروسيا وما لف لفها فإن محو إسرائيل من الوجود كما يعدنا المجاهدون حلم بعيد المنال.

في خضم حملات القتل والاغتيال والتهجير والحرق التي تقوم بها شلة نتنياهو العنصرية المتطرفة في فلسطين وسوريا ولبنان، وأخيرا في إيران ذاتها، نجد بعضا من أصحاب المواقع الإنترنيتية المحسوبين على العراقيين والعرب وقد أصبحوا أكثر صهيونية من نتنياهو. ألم ترَهم فرحين راقصين مهللين ومباهين بعظمة إسرائيل، وبشطارة قياداتها، وعظمة موسادها وجبروت جيوشها. بل يسابقون إذاعات إسرائيل وصحفها وتلفزيوناتها ويكررون علينا تهديداتها بالمزيد من القتل والحرق، ويتوعدوننا بانتصاراتها المؤكدة، لا يهمهم من يموت، ولا من يعيش من أشقائهم في دول الجوار.

دافعهم الوحيد هو الكره الطائفي والعنصري لإيران وللجماعات الدينية المسلحة الممولة والمسلحة إيرانيا، متذرعين بأنها عنصر تهديد لأمن الدول العربية ولا تخدم القضية الفلسطينية بشيء. يعني كلمة حق أرادوا بها الباطل.

نعم، فنحن، مثلُهم، نرفض سلوك الجماعات التي ترتدي ثياب الجهاد المقدس لتحرير فلسطين، ثم تورط أوطاننا وشعوبنا بمعارك غير متكافئة، وحروب لا طاقة لها على تحمل أثمانها الباهظة من دماء أبنائها وبناتها، ثم حين يجد الجد تتركهم، بأعذار غير صادقة، دون ناصر ولا معين يكتوون بنيران الغارات الهمجية الحاقدة المتطرفة.

◄ إن أفضل الإيرانيين والعراقيين واللبنانيين والسوريين واليمنيين، مثقفين وعلماء ومفكرين وكتابا وفنانين مبدعين، لاجئون في الولايات المتحدة وأوربا وفي دول آسيا بحثا عن أمن وحرية وسلامة

ولكننا لا نشمت، مثلهم، بخراب ديارنا وديار أشقائنا، ولا نتشفى بمقتل أحد من أهلنا أو أشقائنا وجيراننا، فذلك هو العار البيّن، وسوء السلوك والسيرة، والعياذ بالله.

وقد ثبت بالتجربة أننا، بالعقلانية والواقعية والوطنية وبالمشاركة الإنسانية المبرأة من الأنانية والغوغائية والتطرف، نستطيع أن نؤلم إسرائيل، وأن ننتزع منها لأشقائنا الفلسطينيين مكاسب جديدة تخفف آلامهم وأحزانهم وتعينهم على إعادة بناء ما تهدم.

ففي الواقع الملموس، وعلى مدى عشرات السنين، كان وما زال كل صاروخ مغامر، أو مقامر بعبارة أصح، يطلقه مجاهد على فلسطين المحتلة يتحول إلى هدية ذهبية لإسرائيل تحصل به على تأييد دولي إضافي، ويكون سببا في تعقيد جديد للقضية الفلسطينية.

فما دام المال اليهودي الصهيوني قادرا على شراء ولاء قوى عظمى كالولايات المتحدة وأوروبا وروسيا وما لف لفها فإن محو إسرائيل من الوجود، كما يَعدُنا المجاهدون، حلمٌ بعيد المنال علينا انتظارُه إلى أن تتحول أميركا إلى دولة بلا أظافر ولا أسنان، بعد عمر طويل.

تعالوا نقيسها بالعقل. من الذي خدم القضية الفلسطينية أكثر، غزوة حماس التي ارتدت وبالا على غزة وأهلها، وعلى الشعب الفلسطيني ودول الجوار، أم هي حجارة أطفال انتفاضة عام 1987 التي آلمت إسرائيل حقيقة، ولوت ذراع النظام الدولي، وأجبرته على الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة ذات سيادة، وفرضت عليه توقيع اتفاقات السلام.

ولولا أن إيران زرعت الفرقة بين فتح وحماس وعرقلت تنفيذها، لكنا اليوم بأحسن حال.

◄ إسرائيل موجودة، شئتم أم أبيتم، دولة معترف بها ومحمية ومحروسة دوليا، وهي باقية ما دامت الولايات المتحدة هي التي تحكم النظام الدولي القائم الحالي

بالمقابل، تمكنت الدول العربية التي يعيب عليها المجاهدون المقامرون عقلانيتها وواقعيتها من أن تحقق لفلسطين وللقضية، بوزنها المالي والاقتصادي والسياسي ما عجز عنه دعاة القتل والغدر والاغتيال وتفجير المفخخات ونسف السفارات وسفك دماء المدنيين الأبرياء.

والثابت الذي لا يشك فيه أن فاقد الشيء لا يعطيه. فلو كانت قيادة الإمام الخميني، ومن بعده الإمام علي خامنئي، قد أقامت دولة عدل وكفاية ورحمة مع شعبها في الداخل، ودولة جيرة حسنة ومودة واحترام مع جيرانها، ثم تصدرت الدعوة لتحرير فلسطين لأصبحنا، نحن ملايين العرب والمسلمين والمسيحيين، مؤمنين بقيادتها وبجهادها ومجندين وراءها حتى النصر المؤزر الأخير.

ولكنها، وليس هناك رأي آخر، لو حدث وحررت فلسطين من اليهود، بعد عمر طويل، فلن تتركها لشعبها ليختار حكامه وأسلوب حياته بحرية، بل لتُلحق فلسطين كلها، كما ألحقت غيرها، بمستعمرات الإمبراطورية الفارسية، فقط لا غير.

فبحجة تحرير فلسطين ومحو إسرائيل لم تشهد إيران ذاتها، ولا العراق ولا سوريا ولا لبنان والأردن وفلسطين واليمن ومصر ودول الخليج العربي، يوم راحة. لقد أتخمت المنطقة بالفوضى والاعتداءات والتفجيرات والمؤامرات والحرائق والمآتم والفقر والجوع والخوف والذل بأقسى أنواعه وأشكاله.

لقد حولت دولة العراق وسوريا ولبنان واليمن إلى دول فاشلة يقرر مصيرها مسلحون جهلة وفاسدون، فأفقرت بهم شعوبنا، وعطلت مؤسساتنا، ثم أعطت لأعدائنا المتربصين بنا مزيدا من أعذار جديدة لمزيد إضعافنا وإنهاكنا وتمزيق شملنا، ومضاعفة منسوب التخلف عندنا.

يا سادة، إن إسرائيل موجودة، شئتم أم أبيتم، دولة معترف بها ومحمية ومحروسة دوليا، وهي باقية ما دامت الولايات المتحدة هي التي تحكم النظام الدولي القائم الحالي، بجيوشها وأموالها وتقدمها التكنولوجي الخطير.

تأملوا ما فعلته حماس في غزة بطوفانها، حين أخذت مدنيين، نساءً وأطفالا، رهائن، وقتلت كثيرين منهم. ألم تؤلب العالم عليها، وعلى الشعب الفلسطيني، وعلينا أجمعين؟

◄ ثبت بالتجربة أننا، بالعقلانية والواقعية والوطنية وبالمشاركة الإنسانية المبرأة من الأنانية والغوغائية والتطرف، نستطيع أن نؤلم إسرائيل، وأن ننتزع منها لأشقائنا الفلسطينيين مكاسب جديدة تخفف آلامهم

ألم يكُتب عليها مغادرة غزة، وربما فلسطين كلها، في الوقت نفسه؟ وألم تزد القضية الفلسطينية تعقيدا على تعقيد، وتهميشا على تهميش؟

ثم ألم تتسبب في جعل غزة خرابة لا تصلح لسكن بني آدم؟ وألم تجرَّ على شعوب فلسطين وسوريا والعراق ولبنان واليمن آلاما ومآتم وكوارث ونكبات جديدة؟ هل هذا نضال؟ وهل هذا دين؟

ونسأل أخيرا، ماذا حققت إيران للفلسطينيين وللعراقيين والسوريين واللبنانيين واليمنيين غير المآتم والمقابر والجوع والهوان منذ تأسيس الإمام الخميني دولتها الجديدة على أساس تصدير الثورة إلى دول الجوار والمنطقة والعالم؟

إن أفضل الإيرانيين والعراقيين واللبنانيين والسوريين واليمنيين، مثقفين وعلماء ومفكرين وكتابا وفنانين مبدعين، لاجئون في الولايات المتحدة وأوربا وفي دول آسيا بحثا عن أمن وحرية وسلامة، أما من بقي منهم ولم يهاجر إما أنه واحد من عظام رقبة النظام، ومن المستفيدين من سياساته القمعية المتطرفة، أو معدم لا يملك ثمن رحلة الهرب إلى دول المنافي.

والسؤال الأهم هو ماذا بعد؟ إلى أين تريد أن تصل إيران بعدوانيتها وعنجهيتها وسياساتها القائمة على التحدي والمشاكسة والمكاسرة؟ خصوصا وأنها بدأت ترتد عليها وتنتهك سيادتها وكرامتها كل يوم وكل ساعة، وقد تنتهي في النهاية لنجد كبار قادتها وراء القضبان، أو هاربين من العدالة من ميناء إلى ميناء، ومن مطار إلى مطار؟

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى