العرب والسباق النووي في الشرق الأوسط
كتب إدريس لكريني في صحيفة الخليج.
مع احتدام التوتر بين إسرائيل وإيران، من جديد، في أعقاب العملية العسكرية التي قادتها القوات الإسرائيلية ضد القنصلية الإيرانية في سوريا، وما تلاها من رد فعل إيراني بقصف العمق الإسرائيلي بمجموعة من الصواريخ والطائرات المسيّرة، ثم قصف إسرائيلي لأهداف داخل إيران، تنامت الأسئلة بصدد مستقبل هذا الصراع، وما إذا كان سيفضي إلى التعجيل باقتحام إيران للنادي النووي، ومدى انعكاسات ذلك على أمن منطقة الخليج بشكل عام؟
لا يمكن فصل هذه التطورات الخطرة عن الصراع المحتدم بين الجانبين، بفعل التوجهات الإيرانية نحو تطوير إمكانياتها النووية رغم الجهود الرقابية التي تبذلها الوكالة الدولية للحد من انتشار الأسلحة النووية، وكذا العقوبات الغربية المفروضة على إيران لثنيها عن ذلك، ثم الرفض الإسرائيلي الذي وصل حدّ التهديد باستخدام القوة لكبح هذا الطموح، خلال السنوات الأخيرة.
ألقت تطورات الملف النووي الإيراني بانعكاساتها على أمن المنطقة العربية، وخلقت أجواء من الترقب، وأمام هذا الإلحاح على الولوج إلى النادي النووي عبر كل السبل، تجد البلدان العربية نفسها محاصرة بين قطبين، أولهما إسرائيل التي يعتقد أنها تمتلك، ومنذ مدة، أسلحة نووية تقدر ما بين 80 و400 رأس نووي، مع ممارسة سياسات متغطرسة تجاه محيطها الإقليمي، بعدما فرضت منطقها بخصوص مفاوضات «سلام» مختلّة، تعتريها اعتداءات متكررة على الفلسطينيين، وعلى حقوقهم من جهة، وقطب إيراني، يبدو أنه نجح، إلى حد كبير، في كسب مزيد من الوقت الذي قد يمكنه من اختراق النادي النووي على نهج كوريا الشمالية، من جهة أخرى، ما سيُحدث في حال تحققه مزيداً من الاختلالات في التوازن الاستراتيجي بالمنطقة، ويعمق أزمة النظام الإقليمي العربي أكثر.
إن التطورات الحاصلة في ما يتعلق بالملف النووي الإيراني، على امتداد العقدين الأخيرين، تبرز حرص طهران دائماً على المناورة، وعلى استغلال كل الفرص والإمكانات الكفيلة بتطوير إمكاناتها في هذا الجانب، خصوصاً أنها تمتلك مجموعة من الملفات التي توظّفها في سياق تجاوز الضغوطات المختلفة التي تتعرض لها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وعدد من الدول الغربية، سواء باستغلال الخلافات الغربية والدولية القائمة في هذا الصدد، أو باستثمار علاقاتها المتطورة مع الصين وروسيا، أو توظيف تمدّد نفوذها داخل عدد من دول المنطقة، كاليمن وسوريا والعراق ولبنان، كورقة للضغط في هذا السياق، ما يدفع إلى القول إن توجّهاتها تجعل الأمور ضبابية، وغير مريحة في الشرق الأوسط.
لا تخفي الكثير من دول المنطقة العربية خشيتها من التهديدات التي يطرحها التوجه الإيراني نحو امتلاك هذا السلاح، في ظل الشك والحذر اللذين يطبعان العلاقات بين الجانبين.
في مقابل التوجه الإيراني (حسب وجهة النظر الغربية والأمريكية خصوصاً)، على امتلاك السلاح النووي، وكذا حرص إسرائيل على تطوير ترسانتها النووية في غياب أية رقابة دولية، بسبب عدم انضمامها إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية بذريعة وجود تهديدات خطرة تستهدفها، ما زالت الدول العربية تؤكد ضرورة المضي باتجاه إخلاء الشرق الأوسط من أي سلاح نووي، وتلتزم باستقبال مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمراقبة برامجها النووية السلمية، باعتبارها أعضاء في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
ويبرز مسار تدبير إيران لملفها النّووي أنها ستظلّ متشبّثة برغبتها في اقتحام النادي النووي عبر استغلال كلّ السبل المتاحة في هذا الشأن، من خلال كسب مزيد من الوقت، والدفع نحول تحقيق تنازلات من الولايات المتحدة والغرب.
وبالموازاة مع التكتم الذي يطبع التعامل الغربي مع الملف النووي الإسرائيلي، رغم خطورته على أمن المنطقة، يزداد الوعي العالمي بعدم جدّية إيران في وقف برنامجها النووي. ولعلّ إصرارها على تحقيق هذا المشروع، بالموازاة مع سياساتها المتشددة تجاه محيطها، يعطي انطباعاً بأن موافقة المجتمع الدولي على امتلاكها لهذا السلاح ينطوي على مغامرة غير محسوبة العواقب؛ ستنعكس حتماً بالسلب على السلم والأمن في منطقة حبلى بالتحديات والإشكالات.
إن تزايد الضغوط على المنطقة العربية، وتطويقها بترسانة نووية من الجانبين، الإسرائيلي والإيراني؛ كلها عوامل تفرض اعتماد استراتيجية موحدة باتجاه تحقيق قدر من التوازن عبر امتلاك عنصر الردع، بما يتيح الدفاع عن النفس؛ وتسخير مختلف الطاقات، البشرية والاقتصادية، نحو امتلاك التكنولوجيا النووية في المجال المدني في عالم سِمته الارتباك.
ويبدو أن الدول العربية، بما تملكه من قدرات اقتصادية، وثروات معدنية، ومواقع استراتيجية، وعلاقات جيدة مع عدد من القوى الدولية الكبرى، بإمكانها أن تربك هذه الحسابات، من خلال توظيف علاقاتها، الإقليمية والدولية، في سبيل تعزيز الضغط لمنع أي توجه عسكري في هذا الصدد.