العرب منقسمون بين ترامب وهاريس
كتب عماد الدين حسين, في “الشروق” :
فى كل انتخابات أمريكية أو إسرائيلية وأحيانًا فى إحدى الدول الكبرى نسأل السؤال المكرر: من الأفضل لنا كعرب إذا فاز فى الانتخابات؟
وبالطبع عاد هذا السؤال للسطح هذه الأيام مع قرب إجراء الانتخابات الأمريكية يوم الثلاثاء المقبل بين كل من المرشح الجمهورى دونالد ترامب ومرشحة الحزب الديمقراطى كامالا هاريس، نائبة الرئيس الحالى جو بايدن، الذى تم إجباره على الانسحاب من سباق الانتخابت عقب هزيمته الساحقة فى المناظرة الرئاسية مع ترامب، حيث بدا بايدن تائهًا وبعيدًا عن التركيز تمامًا.
وظنى الشخصى أن سؤال أيهما أفضل للعرب، سؤال خاطئ ومضلل تمامًا، لأنه يفترض بداهة وجود موقف عربى موحد من كل القضايا المطروحة خصوصًا تلك التى تتداخل فيها السياسات والمواقف الأمريكية، وبالأخص العدوان الإسرائيلى المستمر منذ عام ضد فلسطين ولبنان.
والإجابة التى يعرفها القاضى والدانى أنه لا يوجد أى موقف عربى موحد سواء من القضية الفلسطينية أو الأزمة اللبنانية أو أى قضية كبرى.
والسبب أن معظم الدول العربية غير موحدة أصلًا، فكيف ستتوحد على المرشح الأفضل لها أمريكيًا؟!
الإجابة المنطقية تقول إذا كانت هناك حروب وصراعات أهلية وطائفية وجهوية داخل العديد من الدول العربية، فهل من المنطقى أن يكون هناك موقف عربى موحد، من أى قضية، بل إن قضية العرب ـ التى كانت مركزية – ونقصد بها القضية الفلسطينية لم تعد مركزية، ولم يعد هناك توافق كامل بشأنها، وظنى الشخصى أنه لم يكن هناك توافق عربى كامل بنسبة ١٠٠٪ على القضية الفلسطينية، فى أى وقت ربما باستثناء حرب أكتوبر المجيدة عام ١٩٧٣.
المفارقات العربية لا تعد ولا تحصى فحتى فى فلسطين فإن الانقسام بين حركتى فتح وحماس موجود من عام ٢٠٠٧ حتى الآن، ورغم كل محاولات المصالحة لكنها فشلت، حتى بعد أن بدأ العدوان الإسرائيلى على غزة فى ٧ أكتوبر ٢٠٢٣.
والجبهة الثانية المفتوحة فى لبنان، فإن عددًا كبيرًا من القوى السياسية مختلف حد التضاد مع حزب الله. أما سوريا التى كانت واحدة مما كان يسمى بـ«الطوق» أو المواجهة فلم يعد لها حولًا ولا قوة، بفعل الحرب الأهلية من عام ٢٠١١ ولم تعد قادرة على مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية لها ليل نهار.
ونعلم الظروف المشابهة الموجودة فى ليبيا والسودان واليمن والصومال ونعلم النفوذ الإيرانى الخطير فى اليمن ولبنان وسوريا والعراق، ونعلم الظروف الاقتصادية الصعبة فى مصر والأردن وتونس، ونعلم العلاقات المتردية بين المغرب والجزائر.
كل ما سبق يقول: إنه لا يوجد موقف موحد داخل غالبية البلدان العربية، فكيف يكون هناك موقف عربى موحد من الانتخابات الأمريكية؟!
ثم إننا لا ننسى أن غالبية الحكومات العربية انقسمت بصورة واضحة فى تمنى فوز دونالد ترامب أو هيلارى كلينتون فى انتخابات خريف ٢٠١٦، وانقسموا أيضًا بشأن انتخابات عام ٢٠٢٠ بين جو بايدن ودونالد ترامب، والمؤكد أنهم منقسمون إلى حد كبير بشأن تفضيل ترامب أم كامالا هاريس.
بعد كل ما سبق كيف يمكن أن نقول إن العرب يفضلون هذا المرشح أو ذاك؟
لكى نطرح السؤال بهذه الصيغة المفتوحة وشديدة العمومية ينبغى أن نتأكد أولًا من وجود موقف عربى محدد من القضايا التى تؤثر فيها الولايات المتحدة خصوصًا الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين والعدوان المستمر على لبنان وعلى كل من يفكر فى مقاومة الاحتلال.
الخطأ الأكبر فى هذا الطرح أنه ينطلق من فرضية هى أن العرب وبعض الحكومات والأنظمة متوافقة على رؤية محددة للقضايا القومية، وهذا أمر غير صحيح بالمرة، خصوصًا إذا كنا نتكلم على أرض الواقع، وليس عبر البيانات الصماء الميتة التى لا تعبر عن الحقيقة.
وربما يكون السؤال القريب من الصحة هو ما موقف عرب أمريكا وهل موقعهم موحد أيضًا أم منقسم وهل هو مؤثر أم لا؟!