العراق يقرر مواصلة إرسال شحنات الوقود إلى لبنان: ظروف استثنائية تفرضها الحرب
قرر العراق مواصلة إرسال شحنات الوقود إلى لبنان رغم التخلف عن سداد مستحقات شحنات سابقة. وقال مسؤول عراقي بارز في الأمانة العامة لمجلس الوزراء في العاصمة بغداد، لـ”العربي الجديد”، اليوم الخميس، إن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أوعز بمواصلة إرسال شحنات الوقود إلى لبنان لأغراض تشغيل محطات الكهرباء في البلاد، مراعاة للأوضاع التي يمر بها لبنان، وذلك بعد يومين من معلومات أكدت تعليق شركة النفط العراقية القابضة (سومو) شحنات الفيول بسبب عدم سداد الجانب اللبناني مستحقات مترتبة عن شحنات سابقة.
ووقع العراق ولبنان، في 24 يوليو/تموز العام 2021، أول اتفاق يقضي بتقديم بغداد مليون طن من زيت الوقود الثقيل على أن يكون السداد بالخدمات والسلع. وجاء هذا الاتفاق بسبب ما يعانيه لبنان من أوضاع اقتصادية صعبة وصفها البنك الدولي بأنها من أعمق حالات الكساد في التاريخ الحديث، وهو ما يهدد استقراره.
لكن الاتفاق جرى تعديله عام 2022 لتكون الكمية مليونا ونصف مليون طن بدلا من مليون طن، من دون أي تغيير في الجزء المتعلق بما سيحصل عليه العراق مقابل النفط، والذي نص على حصول العراق على خدمات صحية ومنتجات زراعية وجوانب أخرى يجرى تقييمها مقابل النفط، لكن العراق لم يعلن عن تسلمه أياً من تلك المستحقات سواء بشكل مباشر أو عبر الخدمات المنصوص عليها في الاتفاق.
واليوم الخميس، قال مسؤول عراقي في الأمانة العامة لمجلس الوزراء في بغداد، لـ”العربي الجديد”، إن “رئيس الوزراء محمد شياع السوادني أوعز لوزير النفط حيان عبد الغني بمواصلة إرسال شحنات الوقود إلى لبنان بما فيها النفط الخاص بمحطات الكهرباء اللبنانية من دون توقف”. وأضاف أن ذلك جاء بعد وقف شركة سومو القابضة (شركة تسويق النفط العراقي) شحنتي نفط بسبب عدم تسليم لبنان مستحقات النفط السابق الذي يعود لعامين كاملين”.
وكشف عن أن الإجراء العراقي جاء “تفهما لما يمر به لبنان من ظروف استثنائية بسبب تواصل العدوان الصهيوني على بلدات جنوب لبنان وحاجة المنشآت والمؤسسات اللبنانية إلى العمل بصورة طبيعية”، معتبرا أن الشحنة الجديدة من النفط العراقي يمكن أن تصل خلال سبعة أيام من الآن للاستهلاك.
وفي وقت سابق من اليوم، نقلت وسائل إعلام لبنانية عن وزير الطاقة والمياه اللبناني وليد فياض تأكيده أن الحكومة العراقية وافقت على تفريغ شحنة “الفيول” على الرغم من عدم تسديد بيروت المستحقات المالية المترتبة بذمتها لبغداد، بعدما كان قد أعلن إيقاف العراق تفريغها.
وقال فياض إنه تلقى اتصالاً هاتفياً من المدير العام لشركة تسويق النفط العراقية “سومو” أخبره خلالها بموافقة رئيس الحكومة محمد شياع السوداني على إعطاء الإذن بتفريغ باخرة “الفيول” تضامناً مع لبنان وشعبه، ما سيمكن من إفراغ شاحنتي الغاز أويل في معامل الزهراني ودير عمار. وكان الوزير اللبناني قد أعلن في وقت سابق أن شركة تسويق النفط العراقية “سومو” قد أوقفت إرسال شحنات الوقود إلى لبنان لعدم تسديد الأموال المستحقة للسنة الثانية على التوالي.
وقال فياض إنه “للشهر الخامس على التوالي، لم يحوّل مصرف لبنان ثمن شحنات الفيول إلى حساب الحكومة العراقية، وبذلك، يصبح لبنان مكشوفاً مالياً أمام العراق، إذ إن الأموال المستحقة لم تحول للسنة الثانية على التوالي. وأضاف: “إذا لم تعالج مشكلة تمويل شحنات الفيول العراقي سريعاً، فسيدخل لبنان في عتمة شاملة بعد ثلاثة أيام”، مبيناً أن “المشكلة معروفة للجميع، ومؤكداً ضرورة تسديد ثمن الفيول، وأي رهان على أن العراق سيعفي لبنان من هذا الثمن ليس في محله.
وانطلقت عملية الاتفاق مع العراق من واقع عدم قدرة لبنان على تأمين السيولة المالية الكافية لسداد كلفة الفيول الذي سيُستَبدَل بفئات مختلفة من وقود الفيول، وقدَّمَ العراق تسهيلات منها تأجيل استحقاق الدفع مدة عام واستخدام الأموال لتغطية كلفة خدمات في لبنان.
وقال الباحث بشؤون الطاقة العراقي علي العامري، لـ”العربي الجديد”، إن “مستقبل الاتفاقية التي مُدّدت مرتين بات على المحك، بسبب عدم سداد الجانب اللبناني المستحقات المترتبة عليه، لأن هناك ديونا متراكمة تخص شحنات الوقود إلى لبنان عجز الأخير عن سدادها، وهي تقدر بنحو ملياري دولار.
وبين العامري أن الاتفاقية بين الجانبين العراقي واللبناني شملت اعتماد سعر الطن المتري لزيت الوقود الثقيل وفق السعر الذي تعتمده شركة تسويق النفط العراقية، على أن تكون عقود الشراء جزءاً لا يتجزأ من هذا الاتفاق.
وأفاد بأن التعامل من خلال الاتفاقية يجرى مع حساب الاعتماد المستندي المفتوح لصالح البنك المركزي العراقي نيابة عن شركة تسويق النفط العراقية، بصورة وديعة مصرفية لمدة سنة واحدة، تجدد تلقائياً باتفاق بين الطرفين في أصول مودعة لدى مصرف لبنان.
وأشار إلى أن الجانب العراقي شدد على استخدام رصيد الحساب كلياً أو جزئياً وفقاً للآلية التي سيُتفق عليها مع الجانب اللبناني، لغرض شراء السلع والخدمات لصالح الوزارات والمؤسسات العراقية، على أن يضمن مصرف لبنان استلام الجهات اللبنانية التي تقدم الخدمات للجانب العراقي مستحقاتها باستخدام أوامر الدفع، أو نقدا بالعملة المحلية عند الطلب.
من جهته، أوضح الخبير في مجال الطاقة كوفند شيرواني أن إيقاف الشحنات من قبل العراق جاء بسبب تراكم الديون المستحقة بذمة الجانب اللبناني، والتي تجاوزت ملياراً و100 مليون دولار لغاية شهر مارس/آذار الماضي، ولم تسدد بيروت ما بذمتها من مستحقات مالية منذ مطلع العام 2023. وأضاف شيرواني، لـ”العربي الجديد”، أن العراق أرسل في وقت سابق عدة شحنات من مادة الكاز والفيول مساعداتٍ طارئةٍ منذ وقوع انفجار مرفأ بيروت سنة 2020، بالإضافة إلى كميات من المواد الأولية، وكانت متوافقة مع عدة مبادرات دولية.
وذكر الخبير في مجال الطاقة أن الاتفاق الأولي بين الجانبين العراقي واللبناني كان بأن يُسدَّد جزء من المستحقات عن طريق مقايضتها بالمواد الغذائية والخدمات الأخرى، لكن الخدمات والمواد الغذائية اللبنانية لم تغط كلفة الصادرات العراقية المرسلة إلى لبنان. وبين المتحدث نفسه أن “قرار إيقاف شحنات الفيول لم تتضح معالمه فيما إذا كان قرارا سياسيا أو اقتصاديا، لكن بالتأكيد تراكم الديون يجعل تسديدها صعبا على لبنان، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية المتدهورة”.