رأي

العراق يستعدّ للتصويت الخاص: ترقّب لخارطة «الصوت المُرجِّح»

يشكّل التصويت الخاص في الانتخابات العراقية اختباراً لحياد الدولة، وسط مخاوف من توجيه أصوات الأمنيين بما يخدم نفوذ القوى المتنفّذة داخل المؤسسات الأمنية.

قبل أيام قليلة من موعد التصويت الخاص في الانتخابات البرلمانية العراقية الثلاثاء المقبل، تتجه الأنظار إلى أكثر من 1.3 مليون ناخب من منتسبي وزارتي الدفاع والداخلية و»هيئة الحشد الشعبي» والبيشمركة، سيقترعون في تصويت خاص الأحد في أكثر من 800 مركز اقتراع موزّعة على عموم المحافظات. وعلى الرغم من تأكيد «المفوّضية العليا للانتخابات» استقلالية العملية الانتخابية وسلامة إجراءاتها، تزايدت المخاوف من إمكانية تسييس إرادة الناخب الأمني أو توجيهها في سياقات سياسية ترتبط بنفوذ بعض القوى المتنفّذة داخل المؤسسات العسكرية والأمنية.
وتمثّل هذه الكتلة التصويتية، بحسب تقديرات «المفوّضية»، ما يزيد على 6% من إجمالي الناخبين العراقيين، وهي من أكثر الفئات التزاماً بالمشاركة في الاستحقاقات السابقة. إلا أن طبيعتها المنضبطة وارتباطها الوظيفي بمؤسسات هرمية، يجعلانها عرضة لضغوط غير مباشرة.

وفي هذا السياق، يقول علي المرزوقي، الباحث السياسي ومدير «مركز الغد للدراسات»، لـ»الأخبار»، إن «التصويت الخاص بات يمثّل ساحة اختبار حقيقية لمدى حياد الدولة العراقية ومؤسساتها»، مضيفاً أن «ما يجري تداوله من شكاوى عن ضغوط داخل بعض الوحدات العسكرية يُثير القلق، لأن أي انحراف بسيط في هذه الكتلة المنظّمة يمكن أن يُغيّر نتائج دوائر انتخابية بأكملها». ويتابع أن «القضية ليست في عدد الأصوات، بل في نمط السلوك الانتخابي، إذ إن أي توجيه أو تعبئة جماعية لعناصر الأجهزة الأمنية يجعل التصويت الخاص أقرب إلى قرار إداري منه إلى قناعة فردية».
وكانت تقارير برلمانية وإعلامية حديثة تحدّثت عن محاولات للتأثير على منتسبي الأجهزة الأمنية من قبل جهات سياسية تمتلك نفوذاً داخل هذه المؤسسات. وحذّرت لجنة الأمن والدفاع النيابية من «استغلال المؤسسة العسكرية لأغراض انتخابية»، مؤكّدة أن «بعض المرشحين يسعون إلى تفريغ عناصر أمنيين للعمل معهم خلال الحملة الانتخابية»، وهو ما وصفته اللجنة بأنه «خرق واضح للقوانين العسكرية وتهديد لصورة الجيش كجهاز وطني محايد».

أي توجيه أو تعبئة لعناصر الأجهزة الأمنية يجعل التصويت الخاص أقرب إلى قرار إداري منه إلى قناعة فردية

وأوضح عضو اللجنة، النائب علي نعمة البنداوي، في حديث إلى «الأخبار»، أن «اللجنة رصدت مؤشرات إلى استغلال بعض الجهات نفوذها داخل الأجهزة العسكرية، عبر توجيهات غير رسمية للتصويت لقوائم بعينها أو تهديد المنتسبين بنقلهم في حال عدم الاستجابة»، مؤكّداً أن «اللجنة ستتابع أي حالة من هذا النوع بدقة، وستطلب من وزارتي الدفاع والداخلية إيضاحات رسمية حول أي عمليات تفريغ أو نقل تتم قبل موعد الاقتراع».

من جهتها، أكّدت «المفوّضية» أنها استكملت جميع الاستعدادات الفنية والإجرائية ليوم التصويت الخاص. وأشارت نائبة المتحدث باسمها، نبراس أبو سودة، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «عدد المشمولين بالتصويت الخاص يبلغ 1313000 ناخب من وزارتي الدفاع والداخلية والبيشمركة وهيئة الحشد الشعبي والمنافذ الحدودية، إضافة إلى الداخلية في إقليم كردستان»، مضيفة أن «المفوّضية أدرجت بيانات جميع الجهات التي زوّدتها بمعلومات منتسبيها ضمن سجلّ خاص، وأن أي جهة لم ترسل بياناتها سيُدرج منتسبوها تلقائياً ضمن التصويت العام لضمان عدم ضياع حقهم». لكنّ مراقبين يرون أن ضمان سلامة الإجراءات لا يكفي وحده، إذا لم تُتَّخذ إجراءات موازية لحماية حرية القرار لدى الناخب الأمني.

وفي هذا الإطار، أكّد الخبير الانتخابي، رائد الفؤداي، لـ»الأخبار»، أن «البيئة الانتخابية في العراق لا تزال هشّة من ناحية استقلال الأجهزة الأمنية عن التأثير السياسي»، مضيفاً أن «من الخطأ التعامل مع التصويت الخاص كإجراء روتيني، لأنه في الواقع أحد المفاصل الحاسمة في توزيع المقاعد». وأشار الفؤداي إلى أن «وجود 1.3 مليون ناخب من الأجهزة النظامية يشكّل رقماً مؤثّراً يمكن أن يحسم نتائج عشرات الدوائر، خصوصاً في المحافظات التي تشهد تقارباً من مثل نينوى وديالى وصلاح الدين»، محذّراً من أنّ «استمرار التصويت الخاص بصيغته الحالية، من دون رقابة مستقلة، يفتح الباب أمام تسييس المؤسسة العسكرية ويهدّد حياد الدولة».
وبحسب مصادر مطّلعة تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن نسب المشاركة في التصويت الخاص عادة ما تكون مرتفعة (أكثر من 80%)، وتتفوّق على المعدّل العام، ما يجعل هذه الكتلة أشبه بـ»صوت مُرجِّح» في المناطق المتقاربة النتائج. لكنّ محلّلين يرون أن تلك النسبة العالية، على الرغم من إيجابيتها الشكلية، قد تخفي وراءها واقعاً أكثر تعقيداً، إذ قد تكون ثمرة تعبئة تنظيمية أكثر من كونها تعبيراً عن حرية الاختيار.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى