العراق يتوجّس سيناريوات قاتمة: التهديد الإسرائيلي أقرب

كتب فقار فاضل, في الاخبار:
قلق متصاعد في بغداد من تحوّل الجنوب السوري إلى بؤرة نفوذ إسرائيلي وأميركي تهدّد الأمن العراقي وتعيد خلط التوازنات في الإقليم.
بغداد | مرة أخرى، يعيش العراق القلق بسبب الأحداث التي تتوالى في الجارة سوريا، وسط مخاوف من انتقال شرارة أحداث السويداء إلى الحدود العراقية – السورية ومن ثم إلى العمق العراقي، في ظلّ استغلال تل أبيب حالة الفراغ الأمني الإقليمي. وتؤكّد مصادر سياسية عراقية رفيعة المستوى، لـ«الأخبار»، أنّ رئاسة الحكومة وقيادات أمنية بارزة تتابع من كثب تطورات الوضع في السويداء، وسط تحذيرات من احتمال «امتداد الفوضى الحاصلة جنوبي سوريا إلى المثلّث الحدودي العراقي – السوري – الأردني»، حيث تنتشر قوات أميركية وفصائل سورية مدعومة إسرائيلياً.
وأوضحت المصادر أنّ «بغداد تخشى سيناريو مزدوجاً: بُعده الأول يتمثّل في تفجّر صراع أهلي على تخوم الحدود الشرقية السورية قد يستدرج فصائل مسلّحة عبر الحدود؛ والثاني مرتبط بمحاولة إسرائيل توسيع نفوذها الاستخباري والعسكري في الجنوب السوري، باستغلال انهيار سلطات الدولة في بعض المناطق، ما قد يمثّل تهديداً مباشراً للأمن العراقي في مناطق غرب الأنبار ومعبر ربيعة».
وتعليقاً على ذلك، يرى محلّلون أنّ مواجهات السويداء تتجاوز الطابع المحلّي، وتحمل بصمات إقليمية واضحة، من بينها محاولة إضعاف أي بنية أمنية متماسكة خارج السيطرة الغربية أو الإسرائيلية. وفي هذا الإطار، يرى القيادي في «الإطار التنسيقي»، علي الموسوي، في حديث إلى «الأخبار»، أنّ «ما يجري في السويداء ليس صراعاً محلّياً بحتاً، بل هو جزء من عملية تفكيك مركّبة للجنوب السوري تمهيداً لزرع قواعد نفوذ إسرائيلية، وربما أميركية لاحقاً، وهو ما يشكّل خطراً وجودياً على العراق ومحور المقاومة ككل».
ويعتقد الباحث السياسي العراقي، سعد الكعبي، بدوره، أنّ «التوقيت الذي انفجرت فيه هذه المواجهات ليس صدفة، بل يأتي في ظل انشغال القوى الكبرى بالصراع الإسرائيلي ـ الإيراني، ووسط تقاطعات بين موسكو وطهران ودمشق حول توزيع النفوذ في الجنوب السوري»، محذّراً، في تصريح إلى «الأخبار»، من أنّ «العراق لن يبقى بمنأى إذا ما تطوّر الصراع، خصوصاً في ظل النشاط الإسرائيلي المتزايد عبر الحدود».
وعلى الأرض، وتحديداً في الجانب العراقي من الحدود، وخصوصاً في مناطق القائم وعكاشات والرطبة، تنشط خلايا نائمة من تنظيم «داعش»، ما يزيد من المخاوف الأمنية في حال انفلات السيطرة في الجنوب السوري. وتؤكّد مصادر أمنية عراقية أنّ التعاون الاستخباري مع دمشق في هذه المناطق يشهد تراجعاً منذ أشهر، بفعل تباعد المواقف حيال الفصائل المسلّحة المدعومة من إيران. وتشير مصادر ميدانية، بدورها، إلى أنّ «الحشد الشعبي» كثّف وجوده في محيط القائم خلال الساعات الماضية، ورفع مستوى الإنذار تحسّباً لأي تسلّل محتمل، سواء من فصائل معادية أو من خلايا إرهابية مستفيدة من الفوضى السورية.
وانطلاقاً من ذلك، يرى مراقبون أنّ استمرار التوترات في السويداء من دون تدخّل سياسي إقليمي جادّ، سيُنتج فراغاً قابلاً للاستثمار من قبل إسرائيل وأدواتها. وسيكون من شأن هذا السيناريو تحويل الجنوب السوري إلى ساحة مواجهة مفتوحة قد تمتدّ نيرانها إلى العمق العراقي، في وقت تتهيّأ فيه الساحة العراقية لانتخابات برلمانية حسّاسة، ووسط تصعيد إقليمي وتبدّلات في خرائط النفوذ.
ويؤكّد الخبير الأمني العراقي، اللواء المتقاعد حسين العزاوي، لـ«الأخبار»، أنّ «ما يجري في السويداء يُنذر بتغيير محتمل في طبيعة التوازنات الأمنية جنوب سوريا، وهي منطقة حسّاسة تلاصق الحدود العراقية الغربية، وتُعدّ تقليدياً ممرّاً للتهريب والنشاط المسلّح»، مضيفاً إنّ «التفكّك الأمني هناك يُعطي فرصة لقوى إقليمية، بينها إسرائيل، لتوسيع نفوذها الاستخباري وربما العملاني، خصوصاً في ظل تراجع التنسيق بين دمشق وبعض القوى الميدانية المدعومة من طهران».
ويشير العزاوي إلى أنّ «القلق العراقي مشروع، لأنّ أي فراغ في الجنوب السوري قد يؤدّي إلى تحريك جبهات نائمة في البادية وعلى الحدود، ما يعرّض الأمن العراقي لضغوط إضافية في مرحلة سياسية حرجة».
أمّا الباحث في العلاقات الدولية، عبد الجبار المولى، فيعتبر أنّ «تصاعد التوتّر في السويداء لا يمكن عزله عن سياق إقليمي أوسع، يتضمّن تطبيع علاقات بعض الدول العربية مع إسرائيل، وتغيّر أولويات عدد من العواصم الخليجية في سوريا».
ويشير المولى، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أنّ «بعض النخب السياسية في العراق تخشى من أن تتحوّل التطورات في جنوب سوريا إلى مدخل لشرعنة حضور أمني إسرائيلي على تخوم حدود العراق، تحت ذريعة دعم مجموعات محلّية أو حماية أقليات، وهو أمر قد يعيد خلط الأوراق الإقليمية ويؤثّر سلباً في توازن العراق الخارجي، خاصةً مع تصاعد الحديث عن تسويات شاملة في الإقليم». ويختم بالقول: «إذا تُرك الجنوب السوري من دون تسوية سياسية عادلة، فإنّ تمدّد النفوذ الإسرائيلي فيه قد يتحوّل إلى تهديد إستراتيجي طويل الأمد، لا يخصّ سوريا وحدها، بل العراق ولبنان أيضاً».