رأي

العراق والصراع على “الصدر”

كتب حسن فحص, في “اندبندنت عربي” :

المالكي يتعامل معه بكثير من الحذر باعتباره التحدي الحقيقي ومصادر تتحدث عن فتح قنوات اتصال.

جملة من المواقف والتطورات تدفع إلى الاعتقاد أن القوى السياسية العراقية قد دخلت مبكراً في أجواء الانتخابات البرلمانية التي من المفترض أن تجري في أكتوبر (تشرين الأول) 5202، وأن وتيرتها قد بدأت بالتصاعد بشكل متسارع، في ظل ما يتكشف من سعي أقطاب الساحة السياسية جدياً لبناء تحالفات تضمن لهم أن يكونوا شريكاً لا يمكن تجاوزهم أو العبور عنهم في أي تركيبة سياسية قد تنتج عن هذه الانتخابات.

وعلى رغم أن القوى الشيعية في الإطار التنسيقي، تنظر إلى المسار الذي اتخذته الأمور بعين الارتياح، فإنها تعيش حالة من الترقب والانتظار لما سيكون عليه موقف زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر من المعركة الانتخابية، خصوصاً بعد الخطوة التي اتخذها لتوطين جماعته الحزبية من خلال إطلاق “التيار الوطني الشيعي”. وهل ستمهد هذه الخطوة لإعلان عودته عن قرار مقاطعة العملية السياسية، والانخراط بكل ما يملكه من قوة ونفوذ شعبي من أجل استعادة موقعه في القرار العراقي.

وإذا ما كانت القوى السياسية تتعامل مع خطوة الصدر بإعلان التيار الوطني الشيعي على أنها مجرد تغيير في الاسم مع البقاء ضمن الإطار والتوجه نفسه، على غرار التخلي عن اسم جيش المهدي لصالح سرايا السلام والتيار الصدري، فإن الصدر يعتبر هذا الإعلان منسجماً مع المسار “الوطني” الذي بدأه صيف عام 2020 بعد الانتخابات البرلمانية، وسعيه لتشكيل حكومة أغلبية وطنية، للمساعدة في دمج جماعته الشيعية داخل وفي صلب التوجهات الوطنية من دون التخلي عن خصوصيتها الشيعية، الأمر الذي يفتح أمامه أفق التحالفات بشكل أوسع، وتقديم نفسه زعيماً عابراً للمكونات المذهبية والقومية.

وإضافة إلى الصدر وما يشكله من قلق، فإن قلقاً جديداً بدأت تشعر به بعض القوى السياسية في الإطار التنسيقي مصدره رئيس مجلس الوزراء السوداني وتحركاته التي تحولت إلى لغز لدى كل الأطراف المشاركة في الحكومة أو تلك التي تسعى لفرض نفسها على طاولة الشراكة في القرار السياسي وإدارة الدولة. ويأتي في مقدمة هؤلاء رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الأمين العام لحزب الدعوة الإسلامية.

المالكي فتح نيرانه السياسية والانتخابية مستهدفاً السوداني، عندما حاول إسقاط حق الأخير في المشاركة بالانتخابات المقبلة، باعتبار موقعه على رأس السلطة التنفيذية، ومن المفترض به أن يقود العملية الانتخابية ويشرف عليها، وأن يبتعد عن شبهة استغلال السلطة ومقدرات الدولة في التأثير على الانتخابات لصالح أي ائتلاف أو لائحة قد يترأسها.

قلق المالكي سرعان ما تبلور في كلام وزير العمل أحمد الأسدي الذي أعلن صراحة عن نيته التحالف مع رئيس الوزراء في الانتخابات المقبلة، مما يكشف عن وجود توجهات لدى عديد من القوى لاعتماد مثل هذا الخيار وما يعنيه من أخطار إضعاف نفوذ وهيمنة المالكي على قرار الإطار أو البيت الشيعي، بخاصة أن الأسدي يعتبر من حصة الإطار والحشد الشعبي في مجلس الوزراء، باعتباره الأمين العام للحركة الإسلامية في العراق، وأحد أقطاب الفصائل المسلحة (كتائب جند الإمام) وسبق له أن شغل منصب الناطق الرسمي باسم هيئة الحشد الشعبي وأيضاً الناطق الرسمي باسم تحالف الفتح الذي يقوده أمين عام منظمة بدر هادي العامري.

المالكي، وبحسب مصادر من داخل الإطار الشيعي، يتعامل مع الصدر وما يصدر عنه من مواقف وقرارات أو توجهات، بكثير من الحذر، باعتباره التحدي الحقيقي والمؤثر الأكبر على القواعد الشعبية، والأقدر على تحقيق نتائج وازنة وحاسمة في المعركة الانتخابية والقرار البرلماني، بخاصة أن تجربة الانتخابات المبكرة عام 2021 والنتائج التي حققها الصدر شكلت تهديداً له (المالكي) وكل القوى الشيعية بما فيها فصائل الحشد الشعبي.

وتضيف هذه المصادر أنه في مقابل موقف المالكي الحذر من الصدر، فإن قلقاً مختلفاً يعيشه المالكي من طموحات رئيس الوزراء السوداني لتكريس نفسه زعيماً في الحياة السياسية من بوابة الانتخابات البرلمانية، الأمر الذي دفعه للتفكير جدياً بعقد تحالف انتخابي وسياسي بعيداً من قوى الإطار التنسيقي وفصائله الشيعية وعلى حسابه إذا دعت الحاجة، لذلك فإن خطر الصدر يبقى أقل خطراً من السوداني والتحالفات التي قد يعقدها.

ومن أجل تحقيق هذا الهدف، بادر المالكي بتنشيط قنوات التواصل مع الصدر، في محاولة لإذابة الجليد المتراكم بينهما، وتخفيف حدة الموقف السلبي لدى التيار وقياداته منه ومن حزب الدعوة، ولاحقاً لإعادة بناء الثقة بينه وبين الصدر ومن ورائه التيار الصدري، كمقدمة لعقد تحالف انتخابي وسياسي بين الطرفين يضمن لهما السيطرة على الحصة الأكبر من مقاعد المكون الشيعي في البرلمان التي تصل إلى 60 في المئة من المقاعد البرلمانية.

وتعتقد هذه المصادر المطلعة داخل الإطار التنسيقي، أن هذا التحالف يحمل رسائل باتجاهات متعددة، أولاً على المستوى الداخلي، بإضعاف قوى وفصائل الحشد الشعبي، وتحديداً تلك التي تعتبر نفسها صاحبة الفضل في وصول السوداني إلى رئاسة الحكومة، في مقدمها عصائب أهل الحق وزعميها قيس الخزعلي الذي يشكل مصدر إزعاج حقيقياً للصدر باعتبار هذا الفصيل منشقاً عن التيار الصدري.

وعلى المستوى الدولي، فإن هذا التحالف إذا ما حصل، سيوجه رسالة للإدارة الأميركية، بقدرته على محاصرة فصائل الحشد الشعبي وإضعاف دورها داخل الدولة والحكومة وتصنفها واشنطن ميليشيات مسلحة منفلتة وبعضها إرهابية تعمل على تنفيذ أجندات إيرانية في العراق والإقليم. وأن هذا التحالف إذا ما استطاع تشكيل الحكومة المقبلة والسيطرة على البرلمان الجديد، فسيكون قادراً على التخفيف أو الحد من النفوذ الإيراني الواضح داخل مؤسسات الدولة الذي تعمل هذه الفصائل على تأمينه.

وتضيف هذه المصادر أنه إلى جانب الرسالة التي يحملها هذا التحالف لواشنطن، فإنه سيعمل على توظيف حالة التوافق غير المعلن بين واشنطن وطهران على تحييد الساحة العراقية، لعدم الدخول في مواجهة مع إيران وما فيها من مخاطر حقيقية، وإيصال رسالة للقيادة الإيرانية، بأن هذا التحالف لن يدخل في معركة ضد مصالحها الاستراتيجية في العراق، فضلاً عن أنه سيعيد ترميم العلاقة بينها وبين الصدر الذي يعتبرها المسؤولة عما واجهه التيار الصدري من صعوبات وأزمات سياسية دفعته لاعتزال المشاركة في الحياة السياسية.

وفي مقابل رغبة المالكي والجهود التي بدأ في بذلها من أجل تحقيق هذا الهدف، فإن خلافاً حاداً يدور داخل قيادات الدائرة الضيقة المقربة من زعيم التيار الصدري، التي انقسمت بين جماعة مرحبة بهذا التحالف، وأخرى لم تتخلَ عن حذرها وشكوكها بنوايا المالكي، فضلاً عن الصعوبات التي قد يواجهها الصدر في إقناع قواعده الشعبية بأهمية التحالف مع المالكي، الذي طالما مارس عملية تعبئة سلبية ضده خلال السنوات الماضية، التي وصلت إلى ذروتها في صيف عام 2022 وتحميله مسؤولية الأحداث التي شهدتها المنطقة الخضراء بعد اقتحامها من قبل جمهور التيار والمواجهة التي حصلت بينهم وبين القوى الأمنية وأدت إلى سقوط نحو 100 قتيل من الطرفين.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى