رأي

العراق السائر في طريق مجهول

كتب سمير داود حنوش في صحيفة العرب.

ازدواجية المواقف بين الجماعات السياسية التي تدّعي المقاومة فضحتها أحداث غزّة ما بين طرف ساكت يتفرج ويكتفي بالشجب وطرف آخر يطلق الصواريخ والمسيّرات على مقرات التواجد الأميركي في العراق.

تسعى الحكومة العراقية وعلى لسان رئيسها محمد شياع السوداني لتنأى بنفسها عن الانغماس بمواجهة مباشرة في أحداث غزّة، باستثناء بعض المواقف والشعارات المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني والرافضة للعدوان الإسرائيلي، وبعض المساعدات من الغذاء والوقود التي تعلن عنها الحكومة العراقية للشعب الفلسطيني بين الحين والآخر.

مواقف سياسية لحكومة السوداني توحي بعناوين براغماتية أمام الرأي العام، وخصوصاً لحكومة السفيرة الأميركية إلينا رومانوسكي، ومنها أن الحكومة العراقية تسعى لاستقلالية قرارها السياسي بعيداً عن الأحزاب والتيارات السياسية التي تمتلك فصائل مسلحة، وتضع نفسها في خانة المقاومة مؤتلفة، تحت مفهوم الإطار التنسيقي، التي أوصلت السوداني إلى كرسي رئاسة الوزراء.

ازدواجية المواقف بين الجماعات السياسية التي تدّعي المقاومة فضحتها أحداث غزّة، وجعلتها تختلف فيما بينها أو تناقض نفسها، ما بين طرف ساكت يتفرج ويكتفي بالشجب والإدانة خوفاً على حصته من كعكة السلطة التي غنمها بمباركة السفيرة رومانوسكي، وبين طرف آخر يطلق الصواريخ والمسيّرات على مقرات التواجد الأميركي في العراق، لحسابات سياسية قد لا تتعلق بساحة الصراع في غزّة، من خلال استقراء نتائج الأفعال التي تتعلق بمحدودية تأثير الصواريخ، وربما لأغراض إعلامية تكون كفقاعات تتخطّى الخسائر البشرية والمادية، وحتى تتجنبها، لاستحصال نفوذ ضائع في دائرة السلطة والنفوذ، خصوصاً عند المقارنة مع نظرائهم من تلك الميليشيات المسلحة التي استحوذت على حصة الأسد من كعكة السلطة ومنافعها.

مواقف الميليشيات المتباينة تُحرج حكومة السوداني وتضعها في ورطة بين طرف يعمل بإرادة إيرانية ويستعمل مسيراتها وصواريخها لقصف المعسكرات الأميركية، وبين الموقف الأميركي الذي لا يُخفي تهديده ووعيده من الغضب القادم على الحكومة العراقية فيما لو استمر قصف المعسكرات التي اعتبرت السفيرة الأميركية جنودها ضيوفاً على العراق.

إيران، ذلك الفاعل الرئيسي في العراق، تحاول أن تحرك خيوط اللعبة من الداخل العراقي لتوريطه في الانخراط بحرب غزّة، وإجباره على الدخول في مواجهة مع أميركا لتخفيف العزلة الإيرانية

ماذا لو أفتت إيران لوكلائها في العراق بالدخول في حرب مباشرة في غزّة، خصوصاً بعد تعهد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي جعْل إسرائيل تدفع ثمن قتل القيادي في الحرس الثوري الإيراني رضي موسوي في منطقة السيدة زينب بضواحي العاصمة دمشق؟

أول الغيث كان تهديد ميليشيا النجباء بالرد على مقتل رضي وعدد من عناصرها.

ويبقى ذلك السؤال الافتراضي قائماً، وهو كيف ستتحمل حكومة السوداني تبعات تلك المواجهة مع حكومة إلينا رومانوسكي، وهي التي باركت تشكيل حكومة الإطار التنسيقي بالرغم من وجود عناوين بتلك الفصائل المسلحة المنضوية تحت مسمّى ذلك الائتلاف؟

هل يستطيع العراق مواجهة تلك العزلة الدولية فيما لو اتخذت الولايات المتحدة قراراً بحصاره اقتصادياً وسياسياً وحتى عسكرياً؟

يبدو أن الولايات المتحدة قد اتخذت قرارها المتفق عليه مع العراقيين، وكأنه كان حبل الإعدام لهم الذي يُخشى منه التصعيد بقصف مقرات ومعسكرات الميليشيات في الداخل العراقي، رداً على استهداف معسكراتها دون التنسيق مع الحكومة العراقية لاعتبارات يفسّرها البعض ضمن اتفاقية الإطار الإستراتيجي، التي تم الاتفاق عليها في عهد حكومة المالكي في عام 2008 والتصويت عليها عام 2009، ودخلت حيز التنفيذ عام 2011، والتي تتكون من 31 مادة، حيث نصت المادة (4/خامساً) على أنه لا يوجد في هذه الاتفاقية أي نص يحد من حق الطرفين في الدفاع عن النفس حيث تم تعريف هذا الحق في القانون الدولي، لذلك كانت تلك الاتفاقية حجة للأميركيين في قصف ما يشاؤون، فضلاً عن الحصانة التي مُنحت للقوات الأميركية بموجب الوثيقة السرية المرقمة (01328-14).

إيران، ذلك الفاعل الرئيسي في العراق، تحاول أن تحرك خيوط اللعبة من الداخل العراقي لتوريطه في الانخراط بحرب غزّة، وإجباره على الدخول في مواجهة مع أميركا لتخفيف العزلة الإيرانية، أو فرض شروط تجعل من الطرف الآخر يقدم المزيد من التنازلات.

كان من الممكن أن يكون ذلك السلاح المرفوع وتلك الأحزاب المؤتلفة في بوتقة السلطة أن ترفع شعار السيادة واستقلال العراق، ومنع تدخل الآخرين في شؤونها الداخلية، لكنها الرياح التي تهبّ على هذا الوطن الجريح لتجعله بلداً فاقداً لقدرته أو شرعيته الوطنية في الحكم أو التحكم بقراره ومصيره وتلك هي المصيبة.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى