العالم وغزة قبل أن تسقط إسرائيل

كتب أسامة سرايا, في الأهرام:
مصير غزة أصبح مرتبطًا بفلسطين كلها، والفلسطينيون مرتبطون بغزة. الضفة الغربية لا تستطيع إسرائيل، مهما فعلت ومهما انتصرت، أن تلغي الفلسطينيين وحقوقهم أو تشطبهم من المعادلة.
وصلت إسرائيل وأمريكا إلى ساعة الحقيقة، ويجب أن تعترفا بها وتسلمَا الحقوق لأصحابها.
نستطيع أن نقولها ببساطة: غزة وفلسطين التحما وأصبحا شيئًا واحدًا، ويجب الاعتراف بالحق المشروع للفلسطينيين في دولتهم، وعلى أرضهم، وأن تخرج إسرائيل فورًا من غزة والضفة بلا مماطلة.
الوقت لم يعد في صالحها، بل إن إسرائيل التي دمرت غزة وأبادت سكانها وقتلت الأطفال، جعلت أهل غزة في حالة من المجاعة واللاإنسانية.
صورة الجوعى والدمار أصبحت تفزع إسرائيل وأمريكا أكثر من أي شيء آخر. وعندما تروّج العسكرية الإسرائيلية لإنشاء مدينة إنسانية تقام على أنقاض رفح، بين محوري فيلادلفيا وموراج قرب الحدود المصرية، في محاولة لتجميعهم في الحبس الانعزالي، هذا السجن الذي يتجمع فيه أكثر من نصف سكان غزة، ووصفه العالم بأنه هيستيريا بل هو نوع من الجنون، حتى إن العسكريين الإسرائيليين يتهربون منه، فهي منطقة بلا بنية أساسية، لا كهرباء ولا ماء.
الجيش الإسرائيلي لن يستطيع أن يغرق في غزة أكثر من ذلك. كل أصدقاء إسرائيل، خصوصًا الأوروبيين والإنجليز والألمان والفرنسيين، غير مستعدين لقبول هذه الأفكار غير المدروسة أو الهوجاء.
تتخبط إسرائيل ولا تعرف كيف توظف انتصارها على المدنيين والأطفال. الكل قُتل أو استُشهد، لم يحدث معه، لكن يوجد الفلسطينيون وأصبحوا رقمًا، بل رقم مستحيل تجاوزُه. الكل يدرك الحقيقة، لكن لا يستطيع التعامل معها.
إسرائيل تحتاج الآن أكثر من غيرها إلى من يضرب على أيديهم، بل يقمعهم ويفرض عليهم الحل الذي لا يقبلونه، ويتصورون أنه يوقف الانتصار العسكري، قبل أن تسقط غزة التي أصبح أهلها لا يتحملون هذه الأوضاع. وكل جيران غزة لا يقبلون هذا الوضع الصعب الذي وُضعت فيه هذه المدينة، وكل الحلول المطروحة بعيدة عن الإنسانية.
غزة لا تهدد أحدًا الآن، فضلًا عن أن تكون تهديدًا لإسرائيل وأهلها. فهل يسمعون صوت العقل ويتحركون؟ الحرب التي تخوضها إسرائيل منذ عامين على غزة وصلت إلى آخرها، ولم تعد مقبولة أولًا إسرائيليًا، ثانيًا أوروبيًا، ثالثًا عربيًا، وعالميًا.
الهزيمة الإسرائيلية في غزة أصبحت ساحقة وعليهم أن يعترفوا بأن استخدام القوة له حدود، وعندما تخرج القوة عن حدودها تؤذي وتضر من فعلها.
أمريكا ساعدت ووقفت ضعيفة أمام إسرائيل متصورة أنها بذلك تدفعهم إلى التعقل، فإذا بها تفاجأ بأنها تدفعهم إلى الجنون أو الانتحار.
المفاوضات التي تجري الآن حول الهدنة أو الهدنات أصبحت مستحيلة، بل عقيمة، وتحتاج إلى التحرك السريع للاعتراف بالأمر الواقع، والتحرك لإنقاذ الوضع قبل إنقاذ فلسطين. تصوروا آلة القتل الإسرائيلية انتحرت في غزة.
العالم يعترف بأنه لم يقترف جريمة كبرى في القرن الواحد والعشرين مثل التي حدثت لغزة وأهلها، وحان وقت الاعتراف بمعضلة إسرائيل، بل والعالم. والحل سهل برغم صعوبته، والكلمة السحرية: فلسطين وحقوق الفلسطينيين. هل تفهمون أن الحقوق لا تسقط بالتقادم ولن تسقط أبدًا؟
الحروب التي تستهدف الشرق الأوسط في القرن العشرين كانت واضحة حول هذا الحق، وجاء القرن الجديد ونعيشها ببساطة أمام العالم.
موت الأطفال والنساء وتدمير المدينة لن يكتمل بالتهجير أو قضم حق الفلسطينيين، لكنه ليس له حل إلا الاعتراف بحقوق الفلسطينيين. من المطالب بالتسليم اليوم؟ ليس الفلسطينيين، لكن الإسرائيليين. يجب أن يسلموا بجريمتهم ويعترفوا بتسليم الحقوق لأهلها.
هذا هو الحل الوحيد ولا بديل عنه، فهل يفهم العقلاء؟