العالم ليس مستعداً لتلقي تشخيصات طبية من “Chat GPT”
جاء في مقال للكاتبة فايي فلام في “بلومبرغ “:
قد لا يكترث الذكاء الاصطناعي بما إذا عاش البشر أم ماتوا، لكن الأدوات مثل تطبيق “تشات جي بي تي” (Chat GPT) ستستمر في التأثير على قرارات الحياة أو الموت بمجرد أن تصبح أداة معتادة في أيدي الأطباء.
يجري البعض بالفعل عمليات تجريبية باستخدام “تشات جي بي تي” ليروا كيف يمكنه تشخيص المرضى واختيار العلاج. وسيتوقف مدى جودة أو سوء ذلك على طريقة استخدام الأطباء له.
يمكن لـ”جي بي تي-4″ (GPT-4)، وهو أحدث نسخة من “تشات جي بي تي”، الحصول على الدرجة النهائية في امتحان مزاولة مهنة الطب. وحينما تكون إجابته خاطئة، عادةً ما يكون هناك خلاف طبي مشروع بشأن الإجابة.
كما يتفوق “تشات جي بي تي” حتى في المهام التي اعتقدنا أنها تتطلب تعاطفاً إنسانياً، مثل اختيار الكلمات الصحيحة لإبلاغ أحد المرضى بأخبار سيئة.
هل يغني “جي بي تي-4” عن الأطباء؟
تُطوِّر هذه الأنظمة قدرة معالجة الصور أيضاً. في هذه المرحلة، لا نزال نحتاج إلى طبيب حقيقي لفحص ورم ما أو تقييم تمزق في الأربطة، لكن الذكاء الاصطناعي يمكنه قراءة تصوير بالرنين المغناطيسي أو أشعة مقطعية وتقديم رأي طبي.
من الجانب المثالي، لن يحل الذكاء الاصطناعي محل العمل الطبي لكنه سيُحسِّن من جودته – لكننا بعيدون كل البعد عن فهم متي وأين يمكن أن يكون من العملي أو الأخلاقي اتّباع توصيات الذكاء الاصطناعي الطبية.
كما يبدو استخدام الناس له في مساعدتهم على اتخاذ قرارات مرتبطة بالرعاية الصحية أمراً حتمياً، مثلما كنا نعتمد على “الدكتور غوغل” لسنوات.
ورغم توافر مزيد من المعلومات على بُعد ضغطة إصبع، ألقى خبراء الصحة العامة هذا الأسبوع اللوم على وفرة من المعلومات المضللة في الأجل القصير نسبياً المتوقع لحياتنا، وهو أمر قد يتحسن أو يزداد سوءاً مع انتشار “تشات جي بي تي”.
تغيير الأسئلة يقدم إجابات متباينة
أندرو بيم، أستاذ النظم المعلوماتية للطب الحيوي في جامعة هارفارد، يشعر بالدهشة من الإنجازات التي حققها “تشات جي بي تي-4″، لكنه أخبرني أن بإمكانه دفع التطبيق لإعطائه إجابات متباينة بشكل كبير عبر تغيير طريقة كتابته للسؤال بشكل ذكي.
على سبيل المثال، لن يحصل التطبيق بالضرورة على الدرجة النهائية في الاختبارات الطبية إلا إذا طلبت منه الحصول على الدرجة النهائية، من خلال إخباره مثلاً أن عليه التصرف وكأنه أذكى شخص في العالم.
أضاف بيم أن كل ما يفعله التطبيق بالفعل هو توقُّع الكلمات التي يجب أن تلي بعضها البعض، أي نظام للإكمال التلقائي. لكنه يبدو بشكل كبير وكأنه يفكر.
وقال: “الأمر المدهش، والذي أعتقد أن قليلين توقعوا حدوثه، هو أن العديد من المهام التي كنا نعتقد أنها تتطلب ذكاءً عاماً تحولت إلى مهام يمكن إكمالها بشكل أتوماتيكي دون تمييز الفرق بينهما”. ويشمل ذلك بعض أشكال الاستنتاجات الطبية.
تأثير تعلم التطبيق مزيداً من اللغات
من المفترض أن تتعامل فئة التكنولوجيا هذه ونماذج اللغة الهائلة مع لغة واحدة بشكل حصري، لكن المستخدمين اكتشفوا أن تعليمها مزيداً من اللغات يساعدها في حل مسائل حسابية في غاية التعقيد.
وقال بيم: “نحن لا نفهم هذه الظاهرة جيداً. أعتقد أن أفضل وسيلة لتفسير هذا الأمر هي أن: حل أنظمة المعادلات الخطية يمثل حالة خاصة، ويمنح القدرة على التفكير في كميات كبيرة من البيانات النصية بشكل ما”.
أيزاك كوهاين، وهو طبيب ورئيس مجلس إدارة برنامج النظم المعلوماتية للطب الحيوي في كلية الطب بهارفارد، حصل على فرصة للقيام بعمليات تجريبية في “جي بي تي-4” الخريف الماضي.
انبهر كوهاين للغاية لدرجة أنه سارع لتحويل تجربته إلى كتاب بعنوان “ثورة الذكاء الاصطناعي في الطب: (تشات جي بي تي-4) وما بعده” (The AI Revolution in Medicine: GPT-4 and Beyond)، الذي شارك في كتابته بيتر لي من “مايكروسوفت” وكاري غولدبرغ، الصحفية السابقة في “بلومبرغ”.
فوائد الذكاء الاصطناعي في الطب
أخبرني كوهاين أن أحد أبرز فوائد الذكاء الاصطناعي هي المساهمة في تقليص أو القضاء على ساعات الأعمال المكتبية التي تمنع الأطباء الآن من قضاء وقتٍ كافٍ مع المرضى، وهو ما يؤدي عادةً إلى الإنهاك في العمل.
لكنه أيضاً استخدم التطبيق لمساعدته في تشخيص الحالات ضمن عمله كأخصائي للغدد الصماء للأطفال.
وقال كوهاين إنه في إحدى الحالات، وُلد طفل بأعضاء تناسلية غير واضحة المعالم، وأوصى “جي بي تي-4” بإجراء فحص للهرمونات يليه فحص جيني، وهو ما حدد السبب الذي اتضح أنه “نقص 11 هيدروكسيلاز”.
أضاف كوهاين: “التطبيق شخَّص الحالة ليس فقط من خلال توفير بياناتها دفعة واحدة، لكن من خلال طلب الاختبارات الصحيحة في كل خطوة”.
بالنسبة لكوهاين، فإن القيمة كانت في طرح التطبيق رأياً ثانياً وليس استبداله كطبيب، لكن أداء التطبيق يطرح سؤالاً عما إذا كان الحصول على رأي الذكاء الاصطناعي فقط لا يزال أفضل من عدم الحصول على أي رأي طبي، بالنسبة للمرضى ممن لا يملكون إمكانية الوصول إلى خبراء طبيين بشريين رفيعي المستوى.
هل “جي بي تي-4” صادق تماماً؟
مثله مثل طبيب من البشر، يمكن لـ”جي بي تي-4″ أن يُخطئ، وليس بالضرورة أن يكون صادقاً بشأن حدود فهمه.
قال كوهاين: “حين أقول إنه يفهم، أود دوماً التركيز على ماهية هذا الفهم، فالشيء الذي كان يفهم كيفية توقُّع الكلمات فقط، بات يفهم أشياء أخرى بالفعل؟ ربما كان يفهم، لكن طريقة تفكيره غريبة للغاية”.
يمكنك أيضاً أن تجعل “جي بي تي-4” يقدم لك إجابات مختلفة عندما تطلب منه تقمص شخصية طبيب يرى أن الجراحة هي الحل الأخير، بالمقارنة مع طبيب أقل تحفظاً. لكن في بعض الحالات، يتسم التطبيق بالعند إلى حد كبير. فقد حاول كوهاين استدراج التطبيق ليخبره أي العقاقير ستساعده على خسارة كيلوغرامات قليلة، وأصرّ التطبيق أنه لا توجد عقاقير موصى بها للأشخاص الذين ليسوا أكثر وزناً بكثير.
إلى أي مدى يمكن الثقة به؟
رغم قدراته المدهشة لا ينبغي للمرضى والأطباء الاعتماد عليه بشكل كبير أو الثقة العمياء به. فقد يتصرف التطبيق وكأنه يهتم بك، لكنه على الأرجح لا يكترث. إن “تشات جي بي تي” وأمثاله عبارة عن أدوات سيتطلب استخدامها السليم الكثير من المهارة، لكننا لا نفهم بعد بشكل جيد ما هي تل المهارات المطلوبة.
وحتى هؤلاء المتمرسون في مجال الذكاء الاصطناعي يسارعون لفهم كيفية ظهور هذه العملية، التي تشبه التفكير، من نظام بسيط للإكمال التلقائي. ومن المتوقع أن تتسم النسخة القادمة من “تشات جي بي تي-5” بمزيد من السرعة والذكاء.
ختاماً، يمكن القول إننا مقبلون على تغيير كبير في طريقة مزاولة مهنة الطب، ومن الأفضل أن نبذل كل ما بوسعنا للاستعداد لذلك.