رأي

العاصفة الإيلونية تضرب واشنطن

المارد المالي والتكنولوجي ماسك يبحث عن الإنفاق المشبوه عبر الدولة

كتب وليد فارس, في “اندبندنت عربية” :

هذه الظاهرة جديدة على أميركا، ولكنها تأتي كرد على عهدين ذهبا بعيداً في نظر الأكثرية الناخبة نحو تسييس البيروقراطيات لإقامة دولة عميقة ابتعدت من مشاعر الناس وهمومهم ودخلت في حروب دائمة، لذا أيدت الأكثرية الجديدة منهاج الإصلاحات العميقة التي أتى بها ترمب وماسك، وبات من الصعب على المعارضة أن تصادم سياسة الإدارة بينما الرأي العام يشاهد مآسي الإنفاق وقضايا الفساد على شاشات التلفزة.

الولايات الأميركية المتحدة معروفة بعواصفها وأعاصيرها وهزاتها الأرضية الجبارة التي تدمر الأحياء والبلدات والدساكر من الشواطئ إلى الجبال ومن الأحراج إلى الصحاري، لكنها تجتاز الآن عاصفة من نوع آخر، عاصفة سياسية إدارية لم يسبق لها مثيل في تاريخ أميركا.

الرئيس الجديد الذي يزأر كل يوم وهو يوقع القرارات التنفيذية اليومية والمتتالية عين المارد المالي والتكنولوجي إيلون ماسك لقيادة وزارة الإصلاح المالي والبيروقراطي من أجل البحث عن الإنفاق المشبوه عبر الدولة، وقطع الإنفاق غير الضروري وإقفال الوزارات والمؤسسات التي سيطرت عليها جماعات “الوك” منذ عقد ونصف العقد.

يعتبر عمل ماسك في الإصلاح الإداري العميق من أعمدة أجندة دونالد ترمب الأساس التي وعد بها ناخبيه خلال حملته الانتخابية عبر مئات المهرجانات الشعبية، وتحول ماسك إلى رئيس أركان التغيير ومنقذ الدولة من “الدولة العميقة” بحسب أنصار ترمب، فما هي خطة ترمب – ماسك؟

بحسب مهندسي الإستراتيجية الإصلاحية تتلخص بدخول طواقم وزارة الإصلاح إلى عمق الأجهزة الإدارية والكشف عن أمرين ضخمين، الأول هو تمويل كبير غير واضح لمشاريع ووكية Wokist بالملايين وأحياناً بمئات ملايين الدولارات، وكشف مقص ماسك عن بعضها بينما دهست “محدلة” الرئيس كل هذه المبالغ الخيالية التي كانت تصرفها إدارتا أوباما وبايدن على أجندات “ووكية” وماركسية ستالينية، وفي بعض الأحيان “إسلاموية”.

مئات الملايين كانت تصرف للبيروقراطيين لنشر أجندات اليسارية الراديكالية داخل أميركا وعبر العالم، وكانت دول وقوى عربية ومشرقية تتذمر من دعم أميركي مستمر للمتطرفين ولا سيما منذ عام 2009، ولكنها لم تكن تعرف من كان يقف وراء تمكين هؤلاء المتطرفين، وقد وصل حد الدعم للراديكاليين إلى ضغوط تهدف للإطاحة بحكومات أو أنظمة إقليمية.

اكتشافات فريق ماسك، وهي في بداياتها، باتت عاصفة سياسية تضرب أميركا من المحيط إلى المحيط، إذ إن الرأي العام لم يكن على اطلاع حيال الإنفاق الهائل الذي كان يهدر المليارات بهبات ومساعدات وصفت بالبهلوانية بينما اقتصاد البلاد يدمي يميناً ويساراً، ولكن هذا الهدر الشلالي كان محمياً من قبل السياسيين والمصالح، سواء أكانت داخلية أم خارجية، ولهذا السبب بالذات قرر ترمب وماسك أن يعلنا النتائج في الإعلام مما نشر جواً سلبياً تجاه الأجهزة الإدارية وعهود رئاسية سابقة، ورياح العاصفة لا تزال قائمة وستتضاعف.

أما العاصفة الثانية فصعدت الأمور وتنذر بعواقب أكبر في السياسة اليومية، فقد حصلت طواقم وزارة الإصلاحات بحكم مهمتها على رواتب عدد كبير من السياسيين والموظفين الكبار وعلى ثرواتهم الشخصية من مصادر عامة، وجرت المقاربة بين المعاش والمدخول مما سمح للرأي العام بأن يرى تضخم الثروات عند نخب السياسيين، وبات مقتنعاً بضرورة الإصلاحات السياسية والدستورية والقانونية مما سيصعد الدعم للإدارة.

مثل هذه الظاهرة جديدة على أميركا ولكنها تأتي كرد على عهدين ذهبا بعيداً في نظر الأكثرية الناخبة نحو تسييس البيروقراطيات لإقامة دولة عميقة ابتعدت من مشاعر الناس وهمومهم ودخلت في حروب دائمة، لذا أيدت الأكثرية الجديدة منهاج الإصلاحات العميقة التي أتى بها ترمب وماسك، وبات من الصعب على المعارضة أن تصادم سياسة الإدارة بينما الرأي العام يشاهد مأسي الإنفاق وقضايا الفساد على شاشات التلفزة.

ما نشاهده الآن هي حملة لاستئصال الفساد بقيادة رئيس ثري لا يهمه الربح، بشراكة مع أغنى أغنياء العالم الذي اشترى أقوى وسيلة إعلامية في التاريخ منصة “إكس”، والمؤسسات الآن لا خيار لها إلا أن تتأقلم مع الواقع الإصلاحي الجديد وإلا فإن انتخابات الكونغرس بعد عامين ستضاعف أكثرية الجمهوريين وتوفر للرئيس ترمب مساحة من الوقت ليستمر في التغيير حتى نهاية عهده، وقد يكون لذلك مضاعفات إيجابية عدة لمصلحة السلم والاستقرار في العالم عامة وفي الشرق الأوسط بخاصة، ولا سيما بعد تداعيات تطورات غزة، وكذلك فإن العاصفة “الإيلونية” الآن قد تؤسس لسلم أعمق مستقبلاً.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى